مقولة تختزل كل أسرار الإنسان فمنذ أن وعى وجوده روحا وجسدا مازال يحاول اكتشاف أسرار روحه وجسده والعلاقة بينهما فاحتار أين يقف مع روحه ام جسده وكان أن اختار خلود الجسد مدخلا لخلود النفس، وهذا كان منذ أيام الفراعنة وعمليات التحنيط، وتطور الأمر ليصبح الجسد موضوعا جماليا في كل الفنون من الشعر إلى الموسيقا والتشكيل والنحت والتصوير.
هذه الثنائية الجمالية بين الروح والجسد يبحثها كتاب جماليات الجسد بين الأداء والاستجابة لمؤلفه الدكتور علاء مشذوب الصادر عن دار صفحات في دمشق.
يرى المؤلف أن الجسد هو المدونة الأولى التي حاول الإنسان أن يحولها منه إلى الجدار الأول الذي كان يختفي في كنهه ثم بدأ يجسد أمامه نوازعه وحيثما دارت عجلة التطور الإنساني لمحيطه ولنفسه ضمن تسلسل زمني ليس بالقصير، كان الجسد هو أحد الأشياء التي تطورت من كونها المدونة الثانية التي شملت بأشكال واسماء.
وبين فترة وأخرى يتعرض مفهوم الجسد لاختلاف الآراء حوله حتى جاء النقد الثقافي ليسلط الضوء على كل مهمش بالرغم من أن الجسد كان حاضرا في كل المراحل الإنسانية سواء على المستوى المعيشي أو الفني وغيرها من المستويات الأخرى الموازية لحياة الإنسان إلا أنه لم يأخذ حظه من الدراسة والتنظير.
والجسد الذي لاشيء خارجه كما يقول الباحث يصاب بالشيخوخة والمرض فمهما حاول الانسان ان يبقى في مرحلة الشباب وممارسة الحياة فلن ينجح بذلك ولابد أن يأتي اليوم الذي يكون فيه للأشياء حد معين تقف عنده. والجسد يشبه الارض فكلاهما باعث الحياة وكلاهما حامل لبذور الفناء وهو بذلك يتعرض للكثير من العوامل التي تحده وجسد الانسان يختلف من منطقة لأخرى وكذلك تختلف تغذيته من بلد لاخر.
والجسد ليس عملا فقط بل هو مصدر الإشعاع والقراءة ولا يوجد شيء خارجه، هو المدونة الأولى والكبيرة ومهما حاول الانسان ان يبحر في محيطه فإنه سرعان ما يجد نفسه على ضفة لم يغادرها وهذه القراءة هي بمثابة استراق.
استنفار الابداع
يقف المؤلف عند تحولات الجسد حين يكون المرء مبدعا وكيف يستنفر الجسد بطريقة مختلفة أو ما يمكن أن نسميه طقوس الابداع وما قبل ولادة النص الذي يشبه ولادة الانسان فكما للولادة مخاضها، للابداع الامر نفسه تماما. وفي قصص الكتاب الكثير من هذه الحكايا..
فعلى سبيل المثال هاهو جبرا ابراهيم جبرا يفز من النوم صارخا ليقول وجدت أخيرا النهاية لرواية ظلت عصية علي وبالخصوص بطلها ومثله ماركيز الذي ظل خمسة عشر عاما وهو ينتظر اكتمال روايته مئة عام من العزلة.. وكذلك أرنست همنغواي، لنقرأ معا كيف كان حال جسده وما هي إرهاصاته فقد كان أشبه بالملاكم ووضع برنامجا رياضيا وغذائيا وهو يكتب الشيخ والبحر...وطلب من مساعده أن يضع لافتة أمام المنزل تقول ممنوع الدخول.
وصاحبة رواية ذهب مع الريح ظلت بعد الولادة ثلاث سنوات طريحة الفراش لتقوم وتكتب روايتها الشهيرة...اما أجاثا كريستي فهي لا تكتب الا وهي بالحمام.
وثمة قصص كثيرة حول تجليات الابداع لحظة مخاض الجسد, نجدها بشكل واضح وملحوظ في سير الكتاب والمبدعين الذين يصرحون بذلك ولايخجلون مما يجري لهم في فترة المخاض هذه التي كما اسلفنا اقرب الى مخاض الولادة الحقيقية,فالجسد تصالحنا معه أم رفضناه هو اداة العيش ولولا الجسد لاحياة لنا.. من هنا كان البحث عن الخلود الشغل الشاغل, وكان الجسد المدونة الاولى للجمال والقدرة على تفعيل آليات الحياة.