وبالتالي فإنه لا يمكن قراءة العدوان المستمر على الشعب اليمني من قبل أدوات واتباع الولايات المتحدة أو ما يسمى بـ(تحالف العدوان)، دون وضعه في إطاره ومكانه وزمنه الصحيح، حتى يتسنّى مقاربة وتحليل الحدث بمنتهى الدقة والموضوعية والشفافية.
لطالما كان اليمن في الصف العربي المناصر والداعم من جهة للقضايا والحقوق العربية والرافض والمقاوم برغم الإمكانيات المتواضعة لكل المشاريع والمخططات الأميركية والصهيونية والاستعمارية بشكل عام، وكانت أنظمة الخليج تحاول على الدوام- لاسيما بعد انغماسها المعلن في التبعية للأميركي والتطبيع مع الإسرائيلي -اختطاف القرار الوطني الحر من الشعب اليمني ، خاصة بعد ظهور قوى مناوئة ورافضة بشكل علني للمشاريع الأميركية وكذلك للهرولة العربية لكثير من الأنظمة نحو الأميركي والإسرائيلي في سبيل الحفاظ على مناصبها وعروشها ومزاياها.
في الحقيقة إن ظهور اليمن بهذه العباءة الوطنية لم يعجب الأميركي ولم يعجب أدواته أيضاً، لاسيما النظام السعودي الذي وجد في خروج صنعاء عن بيت الطاعة السعودي وتغريدها خارج السرب الخليجي، أمراً كاشفاً وفاضحاً لعوراته وتبعيته وتآمره، وتهديداً لبقائه ونسفاً لعلاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
على هذه الخلفية وُضع اليمن على محرق التآمر والعدوان، وبدأ التحضير لاستهدافه تحت ذرائع وحجج باتت أكثر من ساذجة، وأكثر من حمقاء، خاصة تلك التي جاءت على لسان الولايات المتحدة الأميركية التي ادّعت في العام 2011 أن أنظمة المراقبة بالأقمار الصناعية لديها كشفت أن بعض القوى اليمنية نقلت نحو 300 صاروخ سكود إلى القرب من الحدود السعودية، وأن الهدف من ذلك هو ضرب النظام السعودي، هذا بالإضافة الى الذريعة الأبرز لواشنطن وأدواتها وهي ارتباط وعلاقة بعض القوى اليمنية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشكّل مع محور المقاومة حجر عثرة في وجه المشاريع الصهيو -أميركية في المنطقة وهذا ما يعيدنا الى ما أسلفناه عن ترابط كل ملفات وقضايا المنطقة وأنه لا يمكن الحديث عن استهداف اليمن دون وضعه في سياق استهداف دول وشعوب المنطقة المعلن والمدرج ضمن الأجندة الأميركية لتدمير الشعوب واحتلال المنطقة.
على هذا النحو أُدرج اليمن ليكون ضمن دائرة (الحريق العربي) الذي أشعلته المخابرات الأميركية والموساد الصهيوني مع بداية العقد الحالي بهدف التهام ما تبقى من القرار والفعل العربي المقاوم، فكان اليمن على قائمة أولى الدول العربية لتدميره وإغراقه أكثر وأكثر في الضعف والفقر والتبعية، حيث كانت بداية الاستهداف في العام 2011 عندما تم تدمير المنظومة السياسية في البلاد واستبدالها بمنظومة أكثر ضعفاً وتبعية للأميركي والسعودي وهو ما أشعل الصراع أكثر وزاد من وتيرته بسبب رفض القوى الوطنية السياسية والشعبية اليمنية لهذه التبعية المفرطة في ولائها للمخططات الصهيوأميركية، فكان أن احتدم الصراع داخل اليمن بين الأطراف العميلة للخارج وبين القوى والأطراف الوطنية الرافضة للتدخلات الخارجية بكل أشكالها ومسمّياتها.
احتدام الصراع في اليمن دفع بالولايات المتحدة في العام 2015 إلى إنشاء تحالف لضرب الشعب اليمني تحت مظلتها وإشرافها يقوده النظام السعودي وتشارك به عدد من دول الخليج وبريطانيا وفرنسا، لضرب القوى المناوئة للتدخل الأميركي والسعودي، وبدأ هذا التحالف المجنون بضرب واستهداف الشعب اليمني بشكل هستيري انتقامي حاصداً أرواح آلاف المدنيين اليمنيين من أطفال ونساء وأبرياء، ليكون هذا القتل والتدمير أحد أبرز وأهم نتائج هذا التحالف المجرم الذي لم يحقق باعترافه هو ،واعتراف مؤسسات المجتمع الدولي والأمم المتحدة أي من أهدافه التي كان يطمح إلى تحقيقها على الأرض بل على العكس من ذلك فقد أدّت الحرب على الشعب اليمني إلى تقويته وتلاحمه أكثر ضد الغزاة، النتائج الوحيدة الظاهرة على الأرض هي عشرات آلاف القتلى والجرحى وسط دمار وفوضى كبيرة على الأرض، كما تعرّض نحو 9 ملايين على الأقل من اليمنيين لخطر المجاعة وبات أكثر من 22 مليون يمني، أي نحو 75 في المئة من السكان بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، ويهدد سوء التغذية الشديد حياة ما يقارب مئات الآلاف من الأطفال دون سن الخامسة، في ظل انهيار تام للنظام الصحي مع تفشي الكوليرا والأمراض التي تسبّبت في مقتل الآلاف من اليمنيين.
وعن جرائم التحالف السعودي في اليمن نذكر بما أوردته المنظمات التي اتفقت في تقاريرها عن قيام التحالف المذكور باستخدام ذخائر وقنابل عنقودية ومحرمة دولياً ضد اليمنيين وأوضحت المنظمة في تقرير لها حول الحرب الأميركية التي تقودها بالوكالة السعودية على الشعب اليمني أن هناك أدلة ذات مصداقية تفيد باستخدام دول التحالف الذي تقوده السعودية ذخائر عنقودية محظورة، ومن بينها صور ومقاطع مصورة، تشير إلى استخدام تلك الذخائر في غارات.
وقال ستيف غووز رئيس قسم الأسلحة في المنظمة المذكورة إن طائرات التحالف قصفت بذخائر عنقودية السكان والمدنيين، مضيفاً إن هذا النوع من السلاح لا يجب أن يستخدم تحت أي ظرف، والسعودية وحلفاؤها، والولايات المتحدة من ورائهم، يستهزئون بالمعايير الدولية التي ترفض الذخائر العنقودية بسبب خطرها طويل الأمد على المدنيين». وكانت المنظمات الإنسانية قد طالبت قبل شهر من ذات العام بالتحقيق في مقتل وإصابة مئات المدنيين اليمنيين في غارات شنّها التحالف كانت مفرطة في انتهاك قوانين الحرب.