الشرعية اليوم بيد قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية الذين نفّذوا عمليات عسكرية بعشر طائرات مسيّرة على شركة «أرامكو» وتحديداً حقل بقيق في المنطقة الشرقية وحقل خريص الذي يعد ثاني أكبر حقل للنفط في السعودية، ويعتبر هذا الهجوم واحداً من أكبر الهجمات التي تم تنفيذها داخل العمق السعودي.
تعتبر شركة «أرامكو» الشركة الأكبر في تصدير النفط في العالم، وتأسست عام 1933 على انها شركة أميركية ولكنها لم تعرف باسم أرامكو إلا عام 1944 وهذا الاسم اختصار لشركة الزيت العربية الأميركية وكانت بادارة سعودية.
وفي عام 2015 فصلت الشركة إدارياً عن وزارة النفط السعودية وتشكّل مجلس أعلى لها برئاسة ولي ولي العهد آنذاك «محمد بن سلمان» وقال المجلس إن هذا التغيير من شأنه إعطاء المزيد من الاستقلال لأرامكو.
وتتولى الشركة إدارة احتياطي نفطي يبلغ 265 مليار برميل (15 بالمئة من الاحتياطي العالمي)، واحتياطي من الغاز يبلغ 288 تريليون قدم مكعب.
وقدّرت السعودية قيمتها بنحو تريليوني دولار لكن الخبير الاقتصادي «ستيفن كلافام» يقدر عوائد أرامكو السنوية بـ 185 مليار دولار، وهذا يعني أنه لو كانت قيمة الشركة 2 تريليون دولار فهذا يساوي أكثر من عشرة أضعاف عائدها السنوي.
وتمتلك الشركة مصافي وصهاريج وأنابيب نفط ومراكز بحوث في أنحاء السعودية ولها فروع في مختلف أنحاء العالم.
وقالت وكالة «رويترز» نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة أن إنتاج السعودية وصادراتها من النفط تعطلت إثر الهجوم الذي شنته اللجان الشعبية اليمنية، على منشأتين لشركة «أرامكو».
وأوضح مصدر للوكالة أن الهجمات تؤثر على إنتاج 5.7 ملايين برميل من النفط يومياً، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة.
وإحدى المنشأتين المستهدفتين هي أكبر مصفاة لتكرير النفط في العالم، وتزيد الطاقة التكريرية للمصفاة على سبعة ملايين برميل من النفط الخام يومياً.
وذكر العديد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين أن الضربات الموجعة التي نفّذها سلاح الجو المسيّر التابع لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، على عدد من المخازن والحقول النفطية التابعة لشركة «أرامكو» السعودية، تسبّبت في حدوث الكثير من الخسائر المادية والمالية حيث قدرت الخسائر بـ٤٠٠ مليون دولار يومياً أي ٤ مليارات دولار كل عشرة أيام، الأمر الذي انعكس سلباً على عجلة الاقتصاد السعودي وذلك لأنه يعتمد الاقتصاد السعودي على هذه الشركة اعتماداً كلياً.
وأيضاً الضربة أحدثت صدى دولياً لأن انعكاس ضرب منشآتين لأرامكو لا يقتصر على السعودية وإنما على السوق العالمية ومن غير شك أن هذه الهجمات قد تقوض القيمة السوقية للشركة التي تواجه صعوبات لإدراج ٥٪ من أسهمها في الأسواق العالمية وتواجه أيضاً شكوكاً كثيرة حول قيمتها الحقيقية، فحجم المخزون الحالي من النفط في السعودية لن يكفي أكثر من ستة وعشرين يوماً ومنشآت أرامكو تحتاج لأشهر لاستعادة عافيتها. واعتبرت شركة «إنرجي أسبكتس» للاستشارات أن السعودية تتجه لأن تصبح مشترياً كبيراً للمنتجات المكررة بعد هجمات السبت، التي أجبرتها على وقف أكثر من نصف إنتاجها من الخام وبعض إنتاج الغاز.
ومن المرجّح أن تشتري شركة النفط الحكومية «أرامكو» السعودية كميات كبيرة من البنزين والديزل وربما زيت الوقود، بينما تخفض صادراتها من غاز البترول المسال، حسب «إنرجي أسبكتس».
تداعيات هذا الهجوم تأخذ أشكالاً وآثاراً مختلفة داخلية وخارجية، فداخلياً أرامكو هي شريان الاقتصاد السعودي بعائدات قدرت العام الماضي بـ١١١مليار دولار وفقدان جزء من الإنتاج والصادرات يعني خسارة جزء من العائدات، أما خارجياً فإن على الرياض أن تثبت قدرتها لأسواق الطاقة العالمية على ضمان الإمدادات من النفط في كل الظروف والأحوال وهذا صعب حالياً فما بعد هجمات البقيق وخريص لن يكون كما قبلها حيث إن الهجوم ورطة حقيقية للسعودية.
رد الفعل الأميركي جاء هشّاً، حيث قال المسؤولون الأميركيون بأن القوات اليمنية لا يمكنها القيام بتلك الهجمات وسارع وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو»، بتوجيه أصابع الاتهام نحو إيران واتهامها بتنفيذ تلك الهجمات دون أن يقدّم أي دليل على كلامه، وهو الأمر الذي وصفته طهران بأنه اتهامات واهية هدفها التخفيف من قسوة الضربة والالتفاف على تغير المعادلات العسكرية في اليمن التي لم تعد في مصلحة السعودية.
ومن جهته قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة له أن إيران ربما تكون وراء الهجوم على منشأتي النفط في السعودية قبل أيام، وقال «يبدو أن إيران مسؤولة عن الهجوم».
ولكن ترامب عاد وأكد أنه يودّ تجنّب اندلاع حرب مع إيران، وقال «الدبلوماسية لا تستنفد أبداً عندما يتعلق الأمر بإيران»، وأضاف «لم أعد السعوديين بحمايتهم».
أميركا تتخبط على حبال رأيها، فتلك الردود الباردة لا تسمن ولا تغني من جوع، فترامب فشل في اتخاذ أي إجراء ضد إيران في أعقاب إسقاط هذه الأخيرة للطائرة الأميركية من دون طيار التي اخترقت المجال الجوي الإيراني قبل عدة أسابيع. ولقد أصرّ ترامب في تصريحاته التي أطلقها على أن «الخيار الدبلوماسي مع إيران لا يزال قائماً».
سياسة ترامب تجاه إيران بدأت تهرم كصقر لم يعد لديه خيار إلا الاستسلام أو الولادة من جديد، ويبدو أنه قرر أن يميل بجناحيه نحو إيران ويتجه نحو حوار بعيد عن الحرب فهل يحطّ رحال سياسته فوق اتفاق جديد يرضي الطرفين؟