الذي لا يقبل الشراكة العالمية، ولا يعترف بضرورات اعتبار الآخر ومصالحه، وطبيعة وجوده، ومصائره.
وفي الاقتصاد حينما بدأت إرهاصات فشل الليبرالية الجديدة بثوبها الرأسمالي المتوحش تزيد من حدة التوتر الدولي بخطابها الحربي الذي لم يأخذ القانون الدولي، ولا مواثيق الأمم المتحدة بأي حساب في علاقاتها الدولية. ومن المعروف منذ سقوط النظام الاشتراكي العالمي، ادّعت الليبرالية أن التوتر العالمي المتصاعد كان بسبب سياسة التحالف الشيوعية في الاقتصاد والجيوش، وقد قيل على لسان أميركا: إن حلف وارسو حين يتفكك لم تعد هنالك حاجة للحلف الأطلسي.
وما إن تمّ تفكيك حلف وارسو حتى شرعت أميركا بتدعيم حلف الأطلسي ومحاولة مدّ جغرافية توضّعه على أرض أوروبا الشرقية التي خرج منها حلف وارسو، واتضح للمجتمع الدولي أن سياسة تطويق الاتحاد الروسي الناشئ باديةٌ للعلانية، وأن أميركا لا تحترم أي اتفاقية وُقّعَتْ بين الطرفين على أثر ما سُمّي حينها بالمتغيرات الدولية ورياح التغيير من 1985-1991م.
وكذلك وقف المجتمع الدولي على أسلوب أميركا شرطي العالم الوحيد في ممارسة أشنع محاولات الغطرسة الدولية على الأمم الأخرى. وما إن وصلت أميركا إلى حوادث الحادي عشر من أيلول 2001م حتى كانت القناعة الدولية راسخةً بأن أميركا لا تقبل بنظام دولي عادل، ولا باحترام مواثيق الأمم المتحدة، ولاحتى بالأمم المتحدة كمؤسسة لإدارة حياة العالم وفق القانون الإنساني.
وفي عقابيل حوادث الحادي عشر من أيلول صار الاستبداد الأميركي بإرادة روح العالم مسألة لا تحتمل، وأخذت مظاهر الأزمة المالية الدولية تتفاقم، ومع وصول العالم إلى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدا جلياً القصور الأميركي في الإدارة العالمية، وارتفعت نسبة التوتر الدولي، وقامت الحروب في جميع القارات ما أعطى الانطباع للقوى الصاعدة في شرق العالم وغربه بأن الحالة الدولية تكاد تنذر بالحروب الكارثية، ولا بد من إصلاح النظام الدولي وفرض قيم القانون الإنساني ومواثيق الأمم المتحدة فيما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وكذلك حقوق الإنسان، والأوطان باعتبار الغرب الليبرالي المتشدّق بحقوق الإنسان هو الذي يشجّع على احتلال أراضي الغير بالقوة، وضمّها كما يفعل كيان العدوان الصهيوني على أرض فلسطين، وبمباركة غربية إمبريالية كاملة. وبعد أن تشكّلت التجمعات والتحالفات وعلى رأسها دول البريكس، وأتضحت فكرة إصلاح النظام الدولي بوجود عالم متعدد الأقطاب، وعدم الركون لفكرة القطب الوحيد المهيمن وما لهذه الفكرة -فكرة العالم المتعدد القطبية- من قوة إفصاح عن فشل أميركا بقيادة النظام الدولي، الأمر الذي جعل أميركا ومن يسير بركابها يخططون عبر مبدأ الفوضى الخلاقة إلى خراب العالم بأكمله حتى يضطر هذا العالم لإعادة تشكيل نفسه لكن في ظل الإشراف الأميركي عليه حتى تكون إعادة تشكيل العالم فرصة جديدة لأميركا لتستعيد السيطرة على القيادة العالمية لنظام دولي تشكّله هي.
وبناء عليه رتّبت المسألة من تونس وتمّ الجري فيها لكي تعم الدول الوطنية العربية وصولاً إلى سورية التي تقف في خطها المقاوم خندق كفاح عنيد في وجه المشروع الصهيوني بتجلياته التهويدية الحاقدة، والعنصرية. ومن هذه الأرضية لم يسأل حلف العدوان عن الديمقراطية في البلدان العربية المستهدفة بقدر ما كان سؤاله عن الكيفية التي يتمكن فيها من تدمير الدولة، وتفكيك المجتمع، وقد اعتمد بهذا الخصوص الإرهاب الدولي وشُنّت الحرب على سورية على أن تكون حرباً مركّبة عناصرها الإقليمية من إسرائيل كيان العدو إلى ممالك الرمال والمشيخات، إلى أردوغان في النظام التركي. والدولية من أميركا وحلف العدوان الإرهابي علينا.
وما برز في الحرب الإرهابية على سورية هو هذا التدويل المشتبك في ظل كباش عالمي على تحديد طبيعة العلاقات الدولية، واحترام سيادة الأمم على أرضها، ووحدتها الجغرافية والديمغرافية وقد سعت أميركا لخلق معارضات منقسمة على نفسها بمنصّات مختلفة ومرجعيات متنوعة وصلت إلى حدود السبع. وهنا ظهرت الأزمة السورية بأنها داخلية، وخارجية بآن معاً. وإقليمية ودولية كذلك، وصار اللعب على الحرب الإرهابية بحرب المصطلحات فالإرهابيون معارضة معتدلة مسلحة. والإرهابيون في سورية (جهاديون)، أما في أوروبا إذا ضربوا فهم إرهابيون.
ووفقاً لمقتضاه فإن القرار الدولي الذي انعقد على أساسه جنيف واحد ومندرجاته لا يُنفّذ منه إلا ما يخدم إدامة الحرب على سورية، ولن يُعقد إلا إذا ضمنت أميركا أن مخرجاته هي بمصلحتها، وحين اتفق على آلية أستانا والدول الضامنة لم تتفق أميركا ومَنْ تشغلهم مع هذه الآلية فوقفت ضدّها، وتحركت مباشرة لكي تحتل مناطق من الأرض السورية وتتخذ من الأكراد الموالين لها ذريعة في الحقوق الإنسانية وتقرير المصير، ومنذ أن بدأت المؤتمرات من سوتشي كذلك لم تتجاوب أميركا وأطلسيوها مع نتائج أي مؤتمر واتخذت من أساليب العرقلة في الوصول إلى الحل السياسي السيادي نهجاً لا تزال تمارسه، وحين بدأت قمم الضامنين عبر آلية أستانا، وأميركا لا تعتبر هذا الأسلوب موصلاً إلى الحل السياسي، وها نحن قد شهدنا في السادس عشر من هذا الشهر الاجتماع الخامس للضامنين في أنقرة حيث تحدث الرئيس الروسي بوتين أن الدول الضامنة تعمل على تحقيق التسوية السياسية للأزمة في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، موضحاً أن الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب مثير للقلق، كما أعرب الرئيس بوتين عن قلقه من الوضع في الجزيرة السورية، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، داعياً المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة للسوريين دون شروط مسبقة. وبدوره جدّد الرئيس الإيراني التأكيد على الحل السياسي للأزمة السورية، وأن الشعب السوري وحده من يُحدّد مستقبل بلده دون أي ضغوط أو تدخّل خارجي، وشدّد على مكافحة الإرهاب واجتثاثه، وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية بتخليصها مما يهدّد وحدتها وسيادتها كدولة مستقلّة وعضو في الأمم المتحدة، ويجب أن تخرج القوات الأميركية من سورية فوراً، وفي حديث أردوغان أشير إلى تذليل العقبات أمام تشكيل اللجنة الدستورية، وقد اعتبر أردوغان أن التنظيمات الإرهابية تقوم بهجمات وحشية متناسياً أنه هو الداعم الوحيد لها في إدلب، ومع ذلك لفت هذا الأخير إلى وحدات حماية الشعب على أنها الخطر الرئيسي وليس التنظيمات الإرهابية وفي نهاية حديثه اعتبر أن صيغة أستانا تبقى المنصة الوحيدة للتسوية في سورية.
وهنا نقف على فشل الموقف الاستراتيجي له طالما أنه ما زال غارقاً في وهمه مع تداعي وضعه الداخلي يوماً بعد يوم.ومن خلال الصيغة المركّبة للحرب الإرهابية على بلدنا نتوصل إلى أن متلازماتها المتداخلة تفترض الحل الوطني السيادي، ولا علاقة للخارج بما يجب أن تقرره اللجنة الدستورية للداخل السوري، ولا تزال كلمة الشعب والدولة والجيش هي العليا.