قيـــــــم الوطـــــن فــــــي إنجــــــاز التحـــــولات الكبــــــرى
دراسات الثلاثاء 24-9-2019 أحمد الحاج علي هذا الاستهداف للوطن السوري تدرج بالتطبيق العملي الشامل من مرحلة إحداث الفتنة إلى مرحلة سفك الدم وتدمير البنى، وبعد ذلك دخل منطقة الحرب بما فيها من وسائط قتالية، وما وفروا لهذه الحرب من
خبراء أجانب وقطاعات هائجة حاقدة من كل أنحاء العالم، واستقر الأمر في المحصلة على أنه صراع على سورية من خارج حدودها وفي سورية من داخل حدودها وبنيتها، وكان ذلك هو الخطة والهدف وآليات الانتقال من مرحلة لأخرى، ولا يزال الصراع الشامل والمصيري هو الذي يحكم المنظور العام لهذا العداء المسلح للوطن السوري، ولعل هذا المدى الذي تدافعت من زواياه أفواج الحاقدين ودخلت فيه دول تحسب أنها عظمى مثل أميركا وأوروبا، واستثمرت فيه أدوات القتل الجماعي وتدفقات المال الحرام بالمليارات، وزجت في معاركه أسلحة الإعلام والخبرة الاستعمارية وإثارة النعرات والفتن وصولاً إلى تدبيج الفبركات والهلوسات، ولاسيما الكيميائية منها، كل ذلك إنما يدل على أن مستوى المواجهات هو في حدود وآفاق وخصائص الصراع على الوجود وعلى المستقرات التاريخية الموروثة وعلى الأمس كما على الغد، لأن المطلوب بالأساس لهذا الحدث الكوني غير المسبوق هو تدمير الوطن السوري وتقويض ذاكرته التاريخية ونسف معالم ومقومات تأسيس هذا الوطن على مناسيب السلام والعلم والحضارة وتضامن الشعوب وتبادل الخبرات لمصلحة البشر، هنا تنتج هذه الفكرة مقاطع متتالية ومهمة في كيفية تنفيذ الأحقاد وقرارات الإعدام على الوطن السوري بجغرافيته وديمغرافيته، وهذا توجه له أصوله في الجذر الاستعماري العثماني حينما أرادوا تغيير الحقائق الوطنية والعربية وإنتاج كميات من البشر من دون هوية سوى هذا الادعاء القميء بأن (المظلة الإسلامية) هي الدافع والحادي والطريق والمآل في نهاية الامر، وتكرر النموذج هذا عبر الاستعمار الفرنسي للوطن السوري، ولكن بطريقة دول الطوائف والمناطق بما يؤمن الحاجات المرسومة لهذا المحتل الأوروبي القادم على جناح الثورة الصناعية وادعاءات التطور الفكري والتكنولوجي، بما يبرر للغرب الأوروبي أن يكون هو الحاكم والمالك لكل مساحات الكرة الأرضية ولاسيما بعد إنجاز حربين عالميتين، وبعد هذا التقسيم للعالم بقاراته على أنه غنائم ومناطق نفوذ، وهنا أدخل الغرب الاستعماري عناصر جديدة بقصد إنجاز التقسيم والتجزئة والتدمير للوطن السوري الذي ما عرف تاريخياً إلا أنه موحد بعوامل وجوده ومسارات بنائه ودوره ومصيره الواحد الموحد رغم التنوع الخصيب والجميل في مكوناته.
وما لبثت موجة الحقد الجديدة الراهنة أن حاولت استعادة الهدف في سورية وبصيغ تذكرنا بما كان في الماضي، وتقدم لنا المستجدات والخبرات الحديثة التي جاءت على جناح الكذب الإعلامي واستثارة حصاد الفتنة الطائفية والإثنية وتحويل أدوات القتل الحديثة إلى ممتلكات فردية وعامة بيد التنوعات الإرهابية التي جاءت من كل أنحاء الأرض، وكان لا بد في هذا السياق من توظيف العامل الديني عبر الثقافة المحنطة التي استغرقت كل هذه القرون، وهكذا حولوا سموا الإسلام وبنيته القائمة على الإرادة والتنوع والاعتراف بالآخر، كل ذلك حولوه إلى كهوف ومغارات للربط العضوي بين مهام العدوان الراهن مع الموجبات الإسلامية المدعاة والمفتعلة، واستغرقت حالة الصراع هذه السنوات طويلة وجرفت في تيارها كل ما هو معقد وملتبس وشاذ، وكانت التحولات الكبرى في الميدان العسكري وفي مسارات الانبعاث الحقيقي لوحدة الوطن وشرف أبنائه ولهذا الاستمرار والاستقرار على المنابع والتفرعات إلى الدرجة التي أنجزت بمستويات معجزة هذا المد الوطني السوري الذي توزع على الزوايا المتباعدة وكان من مهامه أن يمحو الإسلام الحنيف والعروبة الصافية لهذا الجذر وهذا التكوين الوطني المتبلور والذي استعصى على أن يؤخذ من الخارج أو من الداخل، وهنا أيقن أصحاب المشروع في الصراع أن مقادير الأمور تتساقط من أيديهم، فالتحولات داخل الوطن كبرى وأصيلة، وهي تشكل مع كل مقطع من الصراع اندفاعاً تجتمع فيه الاصالة والخبرة مع هذه الانبعاثات الوطنية، حيث جدلية الصحوة يربطها شعبنا مباشرة بمقومات ومقدمات التكوين الحضاري لسورية والمصير السامي والخالد لهذا الوطن السوري، لقد صارت الحرب والصراع عناوين مكلفة وخاسرة بالنسبة لهم، وأدرك المعتدون أن القوة السورية بكامل أبعادها واعدة، وكل خطوة فيها هي محصلة لسابق ومقدمة للاحق، ومن هنا كان آخر مبتكراتهم في الذهاب إلى نظرية التبريد العسكري والسياسي للقوة الوطنية السورية وفي عمقها المواجهات العسكرية وانتظام المعارك المشرقة في المكان والزمان لعل ذلك يعطيهم فرصة لإعادة التجميع والانقضاض أو لكي تتغير البنية الوطنية السورية، فتسكن الهمم وتتكاثر البؤر السوداء، والمسألة في أصلها أهواء ونزوات هي سلاح من وقع في منطقة العجز والانكشاف وترهل كل الأسلحة المعادية.
|