في وقت بدت فيه أن كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا غير قادرة على تمرير قرارات حاسمة عبر مجلس الأمن ما لم تضمن الموقفين الروسي والصيني كما حصل في القرار الذي أقر الحظر الجوي على ليبيا، الذي مالبث أن تحول إلى عمل عسكري مباشر في آذار 2011 الماضي
.
لقد استخدمت كل من روسيا والصين في جلسة مجلس الأمن يوم الرابع من تشرين 2011 حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الذي قدمته كل من بريطانيا وفرنسا والبرتغال وألمانيا بشأن الوضع الداخلي في سورية، وفيه تلويح بعقوبات دولية والدعوة إلى «إجراءات محددة الأهداف»، حيث لم تستطع صيغ التعديل المتتالية أن ترضي أو أن تليّن الموقفين الروسي والصيني، كذلك مواقف الدول التي امتنعت عن التصويت، وهي دول مهمة وذات حضور في الخريطة السياسية الدولية كالهند والبرازيل وجنوب افريقيا، وهي دول مرشحة لنيل العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
فقد كان المندوبان الروسي والصيني قد وضعا نصاً اعتراضياً على الاقتراح المقدم من فرنسا وبريطانيا، تضمن إشارة للسيادة الوطنية وعدم التدخل في سورية ومنها ذلك التدخل العسكري مع الدعوة إلى الابتعاد عن المصادمات، وإلى حوار متعادل لأجل تحقيق السلام المدني والمصالحة الوطنية وتحقيق الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، لكن النص الروسي والصيني لاقى اعتراضات هائلة من قبل لندن وباريس وبالتالي فلم يتم طرحه أصلاً على طاولة أعمال مجلس الأمن.
فمن الأسباب البعيدة نرى أن كلاً من موسكو وبكين تخوضان معاً معركة سياسية موحدة وكبرى تحت الطاولة وعلى القنوات والكواليس الخلفية للدبلوماسية السرية ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين (فرنسا وبريطانيا بشكل أساسي) الذين استباحوا العالم وضربوا مصالح باقي المنظومات الدولية بما فيها المصالح الروسية والصينية في أكثر من مكان على سطح المعمورة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، وفي العراق على سبيل المثال، حيث سال لعاب الكارتل النفطي الأميركي من أجل الاستحواذ على الحصة الكبرى من نفط العراق، فضلاً عن استحواذ الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على الجزء الأكبر أيضاً من فواتير إعادة الإعمار هناك.
وقد عبر ممثلا روسيا والصين في الأمم المتحدة عن موقف بلديهما خير تعبير عندما قالا إن المسألة ليست قضية حول قبول الكلمات والصياغة في مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن، بل هي اختلاف في الأساليب والنظرة السياسية والمصالح.
ومن الأسباب القريبة والمباشرة للموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن واستخدامهما الفيتو المزدوج، نرى أن موسكو وبكين قد استوعبتا الدرس الليبي الطازج، الذي جعل من قرار مجلس الأمن يتحول بقدرة قادر من قرار يتعلق بفرض الحظر الجوي إلى استخدام العمل العسكري المباشر بعد أقل من ثلاث ساعات من صدوره.
وقد جاء استخدام روسيا والصين حق النقض للمرة الثالثة خلال الشهور الماضية ومن ثم إفشال القرار الأميركي المتحالف مع أوروبا الذي تم تخريجه باسم مبادرة الجامعة العربية، الرامي في نهايته إلى التدخّل العسكري المباشر في سورية، الذي ما زال الحليف الأقوى لحركات المقاومة العربية، وللخط المقاوم العربي ضد أميركا و«إسرائيل» وأوروبا المتطلعين إلى حقبة جديدة من الاستعمار الكولونيالي، وحين وصلت الجدية بالقرارين الروسي والصيني عبر منظومة البريكس، وهي المنظومة الأقوى في اللحظة العالمية الراهنة لاستخدام الفيتو المزدوج مرتين خلال فترة قصيرة، ومن أجل دعم سورية، والسيادة السورية المهددة فإن الحدث يومئ إلى لحظة ذُروة عالمية للهيمنة الأميركية، وقد شكّل ذلك الاستخدام المزدوج للفيتو أهم حدث دولي منذ عقدين من الزمان وهو التأكيد على بعض المؤشرات التي قد تقود – بعد فترة من الزمن، ومزيد من التقاطعات المصلحية بين القوى الكبرى - نحو التقدم لعالم متعدد القطبية، ومن المجال السوري حصراً لما يمثله من حصن منيع في المجال الحيوي للدولتين العملاقتين (روسيا والصين وبهذا الحال صار التحوّل العالمي الكبير قادراً – مع بعض الوقت - على استعادة التوازن الدولي وتأمين المصالح القومية للأمم، وبعث روح العدل في مؤسستي الشرعية الدولية.
وقد وجه الفيتو الروسي الصيني ضربة قاصمة للمحاولات التي بذلتها الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون، للاحتشاد وراء خطة جامعة الدول العربية.
وأخيراً يشكل ظهور تكتل «البريكس» بخمسة مقاعد في المجلس العام الماضي (الصين- روسيا- جنوب إفريقيا- الهند- البرازيل)، وبقاء الأربعة الأولى منها هذا العام وضمنها دولتان دائمتا العضوية تملكان حق النقض الفيتو، وظهور هذا التكتل إلى العلن لأول مرة عبر رفض مشروع القرار السابق ضد سورية، ومن ثم إمكانية تنمية هذا التكتل مستقبلاً ليصبح ظاهرة توازن القوى داخل المجلس ضد الإرادة الغربية- الأميركية، ويتفقد القطب الأميركي واحداً من أهم عوامل قوته عبر تحويل مجلس الأمن لمنبر يشرعن تحركه ويعطيه التفويض الميثاقي للحفاظ على هيمنته وخدمة مصالحه عبر عناوين كثيرة (تدخل إنساني، حروب استباقية، نشر الديمقراطية، محاربة الإرهاب).
يشار إلى ان هذه هي المرة الثالثة خلال تسعة اشهر التي تستخدم فيها روسيا والصين الفيتو كدولتين دائمتي العضوية في مجلس الامن ضد مشاريع قرارات غربية تهدف للتدخل بالشؤون الداخلية السورية وفرض عقوبات ضد سورية.