أو الإقليمي والدولي. ومن الطبيعي أن لا يكون أي عربي في قطر من أقطار العروبة, أو يعيش خارج الجغرافية العربية ضد التطورات الإيجابية والبنيوية التي ستعود بالتقدم, والحريات وحقوق الإنسان على بلاده, ولكن شريطة أن يدرك هذا المعني أن العملية السياسية الدولية بهذا الاتجاه هي نقيّة, مأمونة, صادقة الهدف والغايات والبوصلة.
أما حين يكون الحال على مثال ما كان في الربع الأخير من القرن الماضي, ونصل إلى خدمة إسرائيل والصهيونية في تدمير منظوماتنا العربية القويّة فإن هذا هو الذي يسوّق من حين إلى حين على صعيد دولي ويخترعون له مساقط على الداخل العربي وصولاً إلى امتصاص القدرات العربية التي تنامت وصارت توضع في استراتيجيات القوة العربية الناهضة. إذاً لم يكن ما قد خططوا له وما يخططون في مصلحة العرب, ولن يكون ولا سيما الحلف الاستراتيجي غير المقدس الصهيو أمرو أوروبي, ومن العجب أن العقل السياسي العربي وما يملك من مراكز للبحث العلمي, أو مما في بنك المعرفة الدولي لم يلتقط حتى هذه اللحظة المسألة, ويدخل في هذه المخططات المقصودة في عملية هَضْمٍ لها في المختبر العلمي, والعقلي, والسياسي ليخرج إلى نتائج تتقرر فيها الإجابة على سؤال: أين مصالحنا؟ وأين مصالح أعدائنا؟ وكيف تتوضع برامجنا على الصور التأشيرية التي توصلنا إلى مصالحنا؟ ولكن مع الأسف ما هكذا تورد عند العرب الإبل.
وعليه فإنهم في كل ما تمَّ عليهم, وما استُجرّوا إليه مثّلوا وما زالوا يمثلون فيه دور الضحية التي يمكن أن تذبح مرات ومرات ولن تقوى على أي خط – لا يسمح لها بأن تقوى – للمراجعة التاريخية, وما يستفيد منه الحلف غير المقدس الآنف الذكر هو تحريض كوامن الخطاب الثأري عند القطيع العربي الذي يُشعرونه دوماً باختطاف الدولة والسلطة منه, ويدخلونه في عمليةٍ غير سياسية تصل إلى المعارك الداخلية دوماً لكي تكون الحروب الأهلية في كل بلد عربي هي المستقبل المنتظر له وليس التقدم والتطور والازدهار كما يعتقد كل مواطن عربي. وهذا القول يخالفه بعض الذين يفكرون مع أعدائنا أكثر مما يفكرون مع بلدانهم حتى تبقى صورة العدو الحقيقي مخفية, وتُبرز دوماً صورٌ للعدو الوهمي فيبقى العرب خارج معاركهم الحقيقية ضد عدوهم الحقيقي. وما نراه اليوم عَبْرَ سنة ونصف على ظهور الأزمة السورية نقف معه على عناصر مهمة في المراجعة التاريخية, العنصر الأول قد نبدأ به من أرضية ما حصل تحت مسميات الحريات والمزيد منها, ووصول من يطلبها إلى ممارسة القتل لكل من يعارضه, وقد يقول قائل: إن الدولة قد بدأت والجواب من يريد الحريات مطلوب منه أن يقدم النموذج المتمسك به ليجعله أمام الآخرين مطلباً محقاً, أما حين نأخذ من القتل مدخلاً ونصرُّ على اتهام الدولة ومؤسساتها فهذا الذي خرج بما جرى عن كل ما كان يتصوره المواطن السوري.
ويضاف إلى هذا عدم وجود موقف واضح من القوى المسلحة التي دخلت وصارت تمارس التدمير. والعنصر الثاني نشير فيه إلى عدم استيعاب المعادلة الداخلية في سورية, ولا ارتباطاتها الاستراتيجية الإقليمية, والدولية فكأنَّ الحل في سورية كما هو عليه الحال في كل بلد عربي, وعدم إدراك معادلة الخصوصية دفع بالذين تحدثوا عن الربيع والثورة إلى الطريق المسدود داخلياً فتذرّعوا بأن الحل هو بالتدخل الخارجي وحسب. وحتى الذين دفعوا إلى التدخل الخارجي – ونحن هنا بمعرض المراجعة – لم يرغبوا بأن يقفوا على حقيقة القدرة الدولية المعنية بالتدخل حتى اضطروها أي لهذه القوى الأطلسية أن تُعْلن عدم وجود قرارات لديها بالتدخل العسكري في سورية.
والعنصر الثالث يفرض نفسه في المراجعة حين يكون الحل ليس بالمبعوثين « الدابي, عنان , الإبراهيمي « بل باحتلال المدن السورية – ولو تم استدعاء القاعدة – وفرض وقائع على الأرض تُجبر على التدخل الدولي, وصرنا نسمع عن أم المعارك من درعا إلى الحسكة ولم نصل سوى إلى معارك اضرب واهرب. ومعارك من هذا النوع تنهك المواطن, والوطن, لكنها لا تقدم حيثية واحدة في قرار ناجح لأصحاب المصلحة فيه. ولا تعطي للمواطن أي انطباع سوى أن سورية تشهد حرب الأغيار على أرضها, وتدمير سورية هو المطلوب ولن يكون فيها منتصر حين تدمّر. ولمن يريد البرهنة نكتفي بالقول: ما تمّ من مجازر في بلدنا قبل أي اجتماع عربي أو دولي بخصوص سورية, واتهام الدولة ليتم تفنيد ذلك من قبل البعثة العربية والدولية العاملة فيها. ثم اليوم ماذا يعني تكليف الإبراهيمي ووصول السفينة الليبية إلى ميناء اسكندرون وتحمل /400/طن من السلاح ليدخل إلى سورية. وما معنى تكليف الإبراهيمي لكي يقف العنفُ، والأطراف المحيطة الداعمة له لن تتوقف عن دعمه وإدامته, وتوفير شروط تحقيق أهدافه التدميرية لمصلحة إسرائيل.
والعنصر الرابع يجبرنا أن نقرأ حَدَثَ الفيلم المسيء للرسول العربي «ص» ولماذا اختير عرض الفيلم في هذه الظروف. ولماذا تجيّشُ أمريكا الجيوش على العرب في كل مستدعى, ولا ترغب بمنع عرض الفيلم؟ أعتقد أن أصحاب البصائر العاقلة لم تنطلِ عليهم الأغراض الخبيثة للصهيونية, وأميركا دوماً حصان إسرائيل الذي يسرج لكل معركة ضد العرب والمسلمين. وبناء عليه ستكون المتطلبات المصيرية منا جميعاً في سورية أن نبدأ مؤتمراتنا الوطنية, وأن نباشر العملية الوطنية السياسية للحل الذي نراه نحن لأنفسنا, وأن نوفر ظروف الخروج بالوطن والمواطن مما وُضِعْنَا فيه من قبل الذين لا يفكرون إلا بمصالح أعداء بلدنا, وليس بمصالحنا, فالحراك الوطني للحوار الوطني هو المدخل والأزمة سوف ترحل.