يد ودعاء بالسلامة مصطحباً بأمان الله لأن البعض أراد أن يحل محل «أمان الله» ليحيل حياة هؤلاء حذراً وخوفاً، كنا ننطلق إلى أعمالنا برغبة أو دون رغبة وربما يغفو أكثرنا في الباصات والسرافيس ريثما يصل إلى مكان عمله، بل وينام بعمق إذا كانت المسافة تزيد عن ثلاث أو أربع ساعات، لكن هل يستطيع النوم الآن؟؟ إن عيون العاملين متيقظة ومفتوحة على الآخر تراقب الطريق فربما خرج «قطاع الطرق» لينهبوا «القافلة» وإذا واجهتهم مقاومة ولو كلامية «فالقتل والخطف» وسيلتهم، وهي الوسائل التي وجدت ما قبل التاريخ وبقيت مكتوبة ومحفوظة وربما وجدت مخطوطة على ألواح فخارية حتي عاد تتار القرن الحادي والعشرين ليعيدوها حيّة.
أي تاريخ هذا الذي عدنا إليه؟ تاريخ يفور منه الدم ويغلي على ناره لحم آدمي، وتتقطع على إسفلته القلوب، شنيع جداً هذا المشهد وبشع ما يشهده هذا الوطن، إن أشجار الجبل ونسيم الوادي ومد وجزر البحر تدعو على كل آثم بالقصاص، إن أفئدة الأمهات تبتهل ومهج الآباء احترقت لقد قلت لك يا أبي: إنهم لا يمزحون معنا.. لقد رأيتهم بعيني وعيني أخي أن أحدهم رمى شيئاً وهو يقل دراجة نارية رمى هذا الشيء وكان يبدو مثل كيس حليب للأطفال.
رأيتهم هربوا وانفجر ما في الكيس «لم يكن حليباً».. كان ناراً وشظايا «والله» يا أبي لم أطمع في كيس الحليب، ولم أقترب منه ولم أحب يوماً هذا النوع «والله يا أبي» شبعت من صدر أمي «لكنه انفجر وانغرزت شظاياه في قلبي وفي قلب أخي...
لقد قتلنا يا أبي ونحن لم نر من العمر أفراحاً ولا حتى أحزاناً، نحن لم ندرك أنك وأمي ستقضيان زمناً مقهوراً، ولم نعرف أن اللوز لن يزهر في حياتكم وأن الصباح بطعم العلقم.
نحن الآن في عالم آخر وإننا لنرى وطناً يشتعل دون نار حطبه أنا وأنت وابن الجيران وكل من ساهم في الأذى يا أبي، كلنا ضحايا وربما أصبح من رمى علينا قنبلة جارنا في عالمنا الآخر قريباً نناشدكم ونناشد كل من يريد أن يسمعنا، ودعونا نعود إلى ضحكاتنا وإلى حصى وطن يمزق ثيابنا ونحن نلعب ونلهو «دعونا نعود إلى رفاق حارتي، وإلى كل الذكريات الحبيبة كي تعود صباحات سورية بلون الياسمين ورائحة الهيل.. كي تعود فيروز توقظ فيكم الأمل وكي تصفو القلوب ونعود أحبة من جديد.