سنتان على التوالي يخرج فيها المعهد الوطني للإدارة العامة كوادر جديدة وهنا يتبادر للذهن جملة تساؤلات: هل كان المعهد على مستوى الطموح المأمول? وهل حقق الهدف الأساسي من إنشائه وإلى أي مدى استفادت الجهات العامة من خبرات الخريجين? وماهي المخاوف التي تساور الخريجين الجدد وما هي الآلية التي تتم فيها عملية فرزهم إلى مواقع العمل جملة هذه التساؤلات توجهنا بها إلى عدد من الخريجين أثناء الاحتفال الذي أقامه المعهد الوطني للإدارة العامة بمناسبة تخريج الدفعة الثانية حيث حضر الاحتفال السيد المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء, ووزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات والسفير الفرنسي بدمشق.
أهمية تدريب الموارد البشرية
حيث أكد السيد المهندس محمد ناجي عطري وخلال الكلمة التي ألقاها أن خريجي المعهد بحاجة إلى عناية مشددة ولكن ليست بالمفهوم الطبي وإنما من جهة الرعاية والاهتمام التي سيلقونها من الحكومة, وأن المعهد الوطني للإدارة العامة يشكل مركزاً من مراكز تكوين وتدريب الموارد البشرية المؤهلة التي يمكنها المشاركة في عملية التنمية الشاملة التي تشهدها سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد.
حيث يتمثل هدف التنمية التي نشهدها من خلال دورها المحوري في تكوين القدرات البشرية وانتفاع الناس بقدراتهم ومهاراتهم المكتسبة وفي هذه الإطار واستجابة لتوجهات السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم الدستوري وما تضمن من توجهات تؤكد على مبادئ العمل الاستراتيجي والمؤسساتي وتطوير الأجهزة الرقابية والتشريعية واحترام القانون وإيلاء التدريب والتأهيل اهتماماً خاصاً في كافة المجالات وعلى كافة المستويات وذلك بالاعتماد على الكوادر الوطنية في سورية وخارجها والانتفاع من التجارب العربية والأجنبية في هذا المجال وترجمة لمقررات المؤتمر القطري العاشر للحزب وضعت الحكومة الخطة الخمسية العاشرة تحت شعار (تنمية تشاركية محورها الوطن تركز على ثنائية هدف التكوين والتمكين).
وأوضح عطري إلى أن استراتيجيتنا التنموية تركز على الاستثمار في الإنسان لأنه قد ثبت أن هذا النوع من الاستثمار يحقق عائداً اقتصادياً مرتفعاً ولهذا نركز في هذا الجانب على تكوين وتدريب الموارد البشرية في الإدارة عامة وفي الإدارة الحكومية خاصة معتبراً أن مواجهة التحديات تحتاج إلى إدارة حكومية قادرة على صياغة رؤى وخطط للتنمية على المدى المتوسط والطويل.
وأضاف لما كان الإنسان محور التنمية وهدفها والموارد البشرية هي الثروة الأهم في كل عملية تنمية فقد وضعت الحكومة ضمن أولويات تطوير البنية الإدارية في مؤسسات الدولة والجهات العامة وركزت في خطة عملها وبرامجها المستقبلية على مواصلة نهج التطوير الإداري من خلال رؤية شمولية دعت فيها إلى تعميق اللامركزية وتعزيز أسس الفكر المؤسساتي والعمل الجماعي وأكدت على استكمال هيكلة مؤسسات الدولة وإحداث المجالس والهيئات الاستشارية وتفعيل عملها ومتابعة تحديث نظم المعلومات الإدارية وبناء عليه فقد وضعت الحكومة تدريب وتأهيل الموارد البشرية كإحدى الاستراتيجيات الأساسية لعملية التطوير والتحديث في القطاعات التنموية والاقتصادية والإدارية وخصصت لهذا الغرض 3 بالمئة من الموازنة الاستثمارية للدولة وجرى العمل خلال السنوات الماضية على إحداث العديد من مؤسسات التكوين والتدريب في سورية وعلى رأسها المعهد الوطني للإدارة العامة الذي يهتم بتكوين وتدريب كوادر عليا في خدمة الإدارة الحكومية.
كذلك أكد الدكتور سام دله عميد المعهد في كلمته على أن الهدف من إنشاء المعهد هو إيجاد آلية لاختيار الكوادر القيادية العليا للإدارة العامة وإعدادهم لممارسة مهامهم المختلفة في قيادة عملية التنمية الشاملة وعلى رأسها مهمة التنسيق بين الوزارات والإدارات المختلفة لتحسين صناعة وتنفيذ السياسات العامة.
وعلى هامش الاحتفال كان لنا لقاءات مع عدد من الخريجين الجدد الذين غمرهم شعور الفرح ممزوجا بالخوف والأمل والترقب بما ستحمل لهم الأيام القادمة خاصة أن مستقبلهم يتوقف على الكيفية التي سيتم بها فرزهم إلى مواقع العمل كذلك الأمر كان لنا لقاءات مع عدد من خريجي الدفعة الأولى الذين جاؤوا لحضور الاحتفال وكلهم أمل بأن تنفذ الحكومة ما ورد في بنود المرسوم التشريعي.
السيد نزار أبو فخر خريج الدفعة الثانية قال: إن نتاج التدريب والتأهيل سلعة سريعة العطب ما لم تستثمر في حينها فالتأهيل ليس غاية بحد ذاته بل إن استثمار الكوادر المؤهلة هو الغاية وقد تضمنت دراستنا في المعهد دراسة وتحليل العديد من الحالات العملية في مجالات القانون والاقتصاد والإدارة والمال والسياسة بإشراف أساتذة منتقين من أصحاب الخبرة, كما أعددنا أبحاثاً عملية تناولنا فيها مشكلات النقل في سورية, ولكن هناك نوع من الخوف الذي يساور خريجي هذه الدفعة لجهة فرزهم إلى وزارات وإدارات الدولة حيث إن استجابة تلك الجهات لم ترق إلى المستوى المطلوب كما ونوعاً, كذلك لجهة التعويضات المالية لحاملي شهادة ل INA التي لاتزال تراوح مكانها بين أخذ ورد منذ تخرج الدفعة الأولى من هذا المعهد علماً أن المرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2002 الصادر عن السيد رئيس الجمهورية قد حدد وبشكل واضح التزامات وحقوق خريجي المعهد.
المهندس علي بلال خريج الدفعة الثانية: هناك الكثير من المخاوف التي تراودنا وذلك بالنظر إلى وضع خريجي الدفعة الأولى لذلك نتمنى من الحكومة التعامل بجدية لإنجاح تجربة المعهد فحتى الآن ليست هناك سوى وعود للدفعة الأولى لا بد أن تترجم هذه الوعود على أرض الواقع لأن التجربة لو أهملت سنة أخرى ستتفاقم المشكلة وبالتالي سيكون من الصعوبة بمكان ايجاد حل لأنه في كل سنة يتضاعف عدد الخريجين لذلك نتمنى أن تقوم الجهات المعنية بكل ما في وسعها لإنجاح تلك التجربة وللاستفادة من خبرات الخريجين التي تراكمت مع سنوات خدمتهم في الدولة وتم صقل هذه الخبرات أثناء الدراسة في المعهد بما يتناسب مع الامكانيات المادية التي تصرف في كل سنة.
معايير الفرز هاجس الخريجين
السيد مازن نظام خريج الدفعة الأولى يرى أن الهدف الأساسي للمعهد هو تدريب كوادر قادرة على التطوير والابتكار وتأهيلهم بشكل عالي المستوى لاستلام وظائف رئيسية قيادية مباشرة أما خطة المعهد في التدريب والتأهيل فهي عملية التواصل والبحث مع الإدارة العلمية لتطوير المؤسسات والإدارات والجهات العامة فالتطوير سيكون في المكان الذي نفرز إليه وهي مهمة ستوكل إلينا مهما تأخرت وربما ليس كل الخريجين قد تعينوا في مواقع إدارية رئيسية مباشرة ولكن الدراسة قائمة حتى الآن وأشار السيد نظام بأن دفعتهم كانت دورة الرواد وهؤلاء الرواد كانوا في التأسيس فلقد عانوا من كل الصعوبات التي اعترضت مرحلة التأسيس الأول ويرى أن معايير الفرز هي هاجس الدفعة الأولى.
السيد ياسر حمود خريج الدفعة الأولى المؤسسة العربية السورية للتأمين قال: إذا نظرنا للأمر برمته من زاوية الفكرة والانطلاقة نجد أننا ما زلنا على الطريق الصحيح بالرغم من كل العقبات فالتجربة غير ناضجة بعد ولكن هذا الأمر سيرمم في المستقبل ونتمنى أن يتم ذلك بوتيرة أسرع حتى يؤدي المعهد رسالته بشكل أفضل ففي البادية كان هناك فهم خاطئ حول المعهد وهذا الفهم تبلور في فكرة مفادها أن هؤلاء الخريجين يسعون لانتزاع المناصب من أصحابها لذلك الأمر كان هناك نوع من عدم التقبل لهؤلاء الشباب وهذه الفكرة يتم استثمارها وتندرج تحت عنوان مقاومة التغيير تغيير المواطن التغيير في ذهنية ومنهجية العمل, ولكن في حقيقة الأمر نحن لسنا كذلك فنحن نرى أنه ليس هناك شيء لا يوضع على طاولة البحث والنقاش ولا يوجد أحد يستثنى من أن يناقش مهما اختلفت المستويات والمناصب نحن لدينا امكانيات وخبرات ونريد أن ندلي بدلونا ولكن هناك العديد من العقبات التي تعترض طريقنا منها العقلية السائدة في الإدارة وهذا الواقع لا يمكن تغييره بهزة عنيفة لذلك نحن خريجو الدفعة الأولى أوكلت إلينا هذه المهمة وهي النفوذ إلى الواقع لتحليل مشكلاته وطرح حلول لمعالجته ومع الدفعات القادمة ربما سنشكل موجة قادرة على قلب تلك العقلية السائدة ولكن لا يمكن أن ننسى أن ما نواجهه في الإدارات شيء طبيعي لأن الموظف محكوم بأنظمة وقوانين قديمة لا بد من السعي إلى تغييرها في حال كان هناك فائدة من التغيير ويضيف السيد ياسر أن المعهد لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور لوحده لذلك لابد أن تتضافر جهود المخلصين الراغبين بالتحسين فهناك العديد من نقاط الضوء في الإدارات ولكن كذلك هناك عشرات المشكلات ونحن ندعي أن لدينا رؤية وقدرة على ايجاد حلول بديلة لهذا الواقع ليس الهدف هو الحصول على منصب ولكن حتى أكون مؤثراً لابد أن أكون صاحب قرار وحتى أكون صاحب قرار لابد أن أكون في موقع وظيفي معين يمكنني من اتخاذ القرارات المناسبة (كأنك يازيد ما غزيت).
أخيراً: حتى يؤدي المعهد الرسالة التي وجد من أجلها والشعار الذي تبناه لا بد من السعي لتنفيذ ما ورد في بنود المرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2002 ووضع حد للتفسيرات الذاتية للقوانين ومن خلال وضع آلية لفرز الطلاب تقوم على مبدأ الكفاءة وتساوي الفرص.