مألوف لسبب بسيط أن سياساته الرافضة للإملاءات الأميركية أثارت حفيظة واشنطن التي اعتبرته عدواً لها ويجب الإطاحة به واقصاؤه عن السلطة.
فمنذ الانتخابات الرئاسية الفنزويلية الأولى خلال العقد الأخير من القرن الماضي فاز الرئيس شافيز في انتخابات كانون الأول 1998 ثم أعيد انتخابه عام ألفين لضرورات قسرية افترضها تعديل دستوري جرى في البلاد, وتم تثبيت ذلك الانتخاب في استفتاء شعبي جرى في الخامس عشر من آب عام 2004 ثم أعيد انتخابه في الثالث من الشهر الجاري لفترة رئاسية ثالثة بنسبة وصلت إلى 63 بالمئة من أصل 78 بالمئة من أصوات الفنزويليين الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددهم 16 مليوناً مقابل 38 بالمئة حصل عليها خصمه السياسي ومنافسه المدعوم أميركياً (مانويل روزاليس) زعيم حزب الزمن الجديد وحاكم ولاية سوليا الغنية بالنفط والواقعة غرب فنزويلا, وبهذه الانتخابات يكون شافيز قد اكتسب شرعية رئاسية على مدار ثلاث دورات رئاسية وهي الشرعية التي تفوق بالواقع أضعافاً مضاعفة لشرعية الرئيس الأميركي جورج بوش اللتين حصل عليهما في انتخابات الرئاسة الأميركية الأولى عام ألفين والثانية عام ,2004 فالشرعية التي حصل عليها بوش في الانتخابات الأولى ظلت كما نعرف مثار شك وريبة لوقت طويل قبل أن يتم التسليم بها وما كان ليصل إلى المكتب البيضاوي وقتها لو لم يلجأ مضطراً للمحكمة العليا ولو لم يتصف خصمه الديمقراطي أل غور وقتذاك بكثير من الحنكة والحكمة اللتين دلل عليهما في حرصه على أمن وسلامة بلاده.
أما الشرعية الثانية التي حصل عليها الرئيس بوش في الانتخابات الثانية فما كان لها أن تكون لولا اعتماده على أصوات المندوبين الحزبيين واليهود الأميركيين في حسم معركته مع خصمه الديمقراطي جون كيري.
أما انتصارات الرئيس الفنزويلي شافيز فقد شكلت في حقيقة الأمر تأكيداً لمصداقية روح الثورة البوليفارية التي كان شافيز وما زال يعتبر نفسه امتداداً لها وهي شكلت بحق محطة تاريخية هامة لا تنفصل عن تاريخ أميركا اللاتينية, كما شكل انتصار الرئيس شافيز ثلاث مرات متوالية انتصاراً للديمقراطية في فنزويلا باعتبار أن لشافيز شرف تعديل دستور بلاده بشكل يستحيل مع هذه التعديلات أن يقبض أي رئيس ديكتاتوري على مقاليد السلطة في فنزويلا إذا لم يكن الشعب الفنزويلي راضياً عنه وعن سياساته الداخلية والخارجية, فشافيز أجرى في عام 1999 أي بعد توليه السلطة بأكثر من عام تعديلاً على دستور البلاد في المادتين 333و 350 اللتين توجبان إجراء استفتاء على شخص الرئيس بعد عامين من استلامه السلطة إذا ما طعن الشعب بممارساته الديمقراطية, لكن تحالف المعارضة المدعومة من واشنطن والغرب استغل هذه الخطوة وقام بعملية انقلابية على شافيز وكانت بالطبع وكالة المخابرات الأميركية المركزبة (سي أي ايه) قد وضعت كل ثقلها وراء المعارضة للقيام بانقلابها على غرار الانقلاب الذي دعمته في غواتيمالا عام ,1954 والانقلاب الذي نفذته في تشيلي عام 1973 آملاً في تنصيب مجموعة موالية لها, لكن نجاح المعارضة في فنزويلا وقتذاك في تولي السلطة لم يكن لأيام معدودات حين استطاع الموالون والمخلصون للرئيس شافيز أن يعيدوه إلى السلطة والرئاسة بعد يومين قضاهما في معتقل للمعارضة الموالية لأميركا.
إن العداء الأميركي لشافيز يعود لمبادئه وسياسته القائمة على مبدأ الاستقلال والسيادة والتحرر الوطني ولتمسكه بمبادئ سيمون بولفيار بطل الاستقلال والتحرر الوطني للقارة الأميركية الجنوبية ولعلاقاته الجيدة أيضاً مع كاسترو الزعيم الوطني الكوبي المناهض للسياسات الأميركية, إضافة إلى أن الرئيس تشافيز أشد حزماً لنهج سيادة بلاده على خلاف ما اعتاد وسار عليه رؤساء فنزويلا السابقون المطيعون لاسيادهم الغرب وواشنطن, وكذلك لتوجهه لحفظ ثروة بلاده النفطية من تسلط شركات الغرب عليها والتحكم بمقدراتها باعتبارها ثروة وطنية للشعب الفنزويلي.
لقد آمن الرئيس شافيز أن واشنطن عندما تتدخل بأمور غيرها وخاصة في شؤون بلاده وتعمل على قلب نظام الحكم فيها أو في غيرها من الدول فإنما تفعل ذلك من منطلق منظورها الاستعماري القديم الجديد أكان ذلك في الإطار السياسي أم الاقتصادي لأنها لم تكن ولن تكون حريصة في يوم ما على الديمقراطية فيها أو في أي مكان آخر من العالم بقدر ما يهمها مصالحها الاستعمارية التي تفترض أن الكل يجب أن يكون تابعاً لها في السراء والضراء, وعلى هذه القناعة الراسخة جاء فوز شافيز في الشرعيات الدستورية الثلاث من أبناء شعبه.
إنها الديمقراطية الحقيقية التي يستطيع بها الرئيس شافيز وغيره من شعوب العالم أن يفخروا بها ويوجهوا له من خلالها كل الاحترام والتقدير لشعب اختار السيادة والوطنية رافضاً التبعية وسياسة الإملاءات والخنوع ولأنه أيضاً بهذا الفوز الشرعي الكاسح الذي أقرته شهادة صناديق الاقتراع ونحو 1200 شخصية دولية أشرفت على الانتخابات يستحق الرئيس شافيز أن يجدد إعلانه سقوط حقبة هيمنة أميركا إلى مالا رجعة, لتكون تجربته وتجربة بلاده مثلاً تحتذي به دول قارة أميركا اللاتينية المتحفزة لإنهاء السيطرة الأميركية والغربية على مقدراتها وسياساتها كما أن الدرس الذي لقنه شعب فنزويلا من خلال خياراته الوطنية الجريئة ضد التسلط الأميركي الأوروبي على ثرواته ومقدرات بلاده هو درس بكل معنى الكلمة للآخرين على أن الشيطان الأكبر ما هو إلا شيطان وهمي عاجز عن فعل أي شيء عندما تقول إرادة الأمة والشعب كلمتها الفصل في تحديد المسار والمستقبل.
بالديمقراطية وحدها نجح شعب فنزويلا في اختيار رئيسه الوطني الحر شافيز وبالديمقراطية الصادقة وحدها أيضاً حصل على أكثرية أصوات الناخبين رغم ما قدمته الأجهزة الأميركية من إغراءات ووعود فارغة لعملائها.
إنه فوز تاريخي للديمقراطية شتان بينه وبين الفوز المتلون للرئيس الأميركي جورج بوش الذي فقد أبسط نسب التأييد له اليوم جراء سياسته القائمة على العدوان والتسلط.