حاولت إدارة بوش اطلاقها ورغم كل الأوراق الجميلة التي حاولت تغليف جرائمها بها, فقد كان الهدف نفط العراق وثرواته وإعادة رسم خارطته من جديد بما يساعد واشنطن على التحكم بالمنطقة برمتها وإعادة صياغتها بما ينسجم مع مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل.
إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن بوش وأقطاب المحافظين الجدد, فقد تكبدت قوات الاحتلال الأنلكو- أميركية خسائر جسيمة بالمعدات والأرواح وفقد الأميركيون لوحدهم أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وآلاف الجرحى والمشوهين, وأنفقت واشنطن أكثر من 500 مليار دولار على تلك المغامرة غير محسوبة النتائج ناهيك عن فقدانها لمصداقيتها أمام شعوب العالم وحكوماته وافتضاح جرائمها النكراء في سجون أبو غريب أمام الرأي العام العالمي.
ومع ظهور الكم الهائل من تلك التلفيقات والأكاذيب وخطابات الخداع والتضليل والافتراءات التي مارستها الآلة الإعلامية الغربية حول الديمقراطية المزعومة والحرية الموعودة للشعب العراقي, ومع فضح الذرائع التي ساقتها واشنطن ولندن لاحتلال العراق مثل أسلحة الدمار الشامل المزعومة والحرية الموعودة للشعب العراقي ومع فضح الذرائع التي ساقتها واشنطن ولندن لاحتلال العراق مثل أسلحة الدمار الشامل المزعومة وعلاقة النظام العراقي السابق بالقاعدة, فإن عقد المحافظين الجدد بدأت حباته بالانفراط الواحدة تلو الأخرى فكانت استقالات ريتشارد بيرل وولفوتيز وجون بولتون ودونالد رامسفيلد, وتشير التقارير الواردة في واشنطن أنها لن تتوقف بل ستطول أكبر المناصب في المرحلة القادمة مثل نائب الرئيس ديك تشيني.
هذه الوقائع تطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات وفي مقدمتها: هل تبدلت الاستراتيجية الأميركية بعد كل هذه الهزائم, وهل اتعظت إدارة بوش مما جرى? وبمعنى آخر هل هناك خطة جديدة فعلا للتعامل مع الأزمة العراقية بما يحفظ مصالح أميركا والعراق معا كما أورد جيمس بيكر في تقريره الأخير إلى بوش أم أن هذه الإدارة لا تزال تصر على ركوب رأسها والمضي قدما في مغامرتها الكارثية?!
الإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة قد تكون بغاية البساطة وهي أن مصالح أميركا وأهدافها الاستراتيجية تحتم عليها إعادة النظر في سياساتها هذه والالتزام بضرورة الانسحاب من العراق والاعتراف بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته, لكن الذي يجري حتى الآن على أرض الواقع ينذر باتجاه الإدارة الأميركية إلى عكس هذا السلوك أي الاستمرار في مشروعها المذكور ولكن بطرق جديدة.
فكل تصريحات بوش الأخيرة وكل أقوال وزيرة خارجيته رايس تشير إلى إصرار هذه الإدارة على عدم الانسحاب من العراق أو حتى الاعلان عن الانسحاب التدريجي إلى حين حلول عام ,2008 فقد ألمح بوش عدة مرات وخلال الأسبوعين الأخيرين أن نجاح مثل هذه الخطوة غير مضمون النتائج بنظره, لا بل إنه أشار كما قالت صحيفة نيويورك تايمز في السادس عشر من الشهر الجاري إلى ضرورة زيادة عدد القوات الأميركية في العراق بحدود عشرين ألف جندي إضافي, وإنه طلب من خبراء عسكريين وماليين في البيت الأبيض تقديم سيناريوهات لتدعيم عدد القوات في العراق بدون الأخذ برأي الكونغرس الجديد ذي الأغلبية الديمقراطية.
وهذا التوجه الذي كشفت خيوطه الصحافة الأميركية والذي يصر على الاستمرار في الاحتلال يدعمه كما تقول صحيفة نيويورك تايمز عدد من أقطاب المحافظين الجدد الذين لا يزالون يحيطون بالرئيس بوش ويرون أن على البيت الأبيض أن يرسل خمسين ألف جندي إضافي إلى العراق كما قالت الصحيفة المذكورة.
والسؤال الذي يشير إلى سهم البوصلة الجديدة في حال تطبيقها فعلا هو: تحت أي مسميات كاذبة مثل دعم الحرية وبرامج الديمقراطية وغيرها ستأتي الخطط القادمة, وأي مصير ستؤول إليه الأمور في العراق والمنطقة إن لم تنصت إدارة بوش لصوت العقل وتعلن مع بداية العام الجديد 2007 عن إنهاء احتلالها للعراق والكف عن سيناريوهاتها الكارثية.