Palestine: Peace Not Apartheid
وهو الكتاب الثاني إلى جانب كتاب: الأمريكية المتقاعدة التي حاكمت جورج بوش: (جورج و. بوش في مواجهة أمريكا).
من تأليف القاضية الأمريكية المتقاعدة اليزابيث دو فيغا, وقد قدمناه في حلقتين سابقتين. ويعتبر هذان الكتابان في صدارة الكتب التي شغلت الرأي العام الأمريكي أواخر عام 2006.
والآن جاء دور كتاب جيمي كارتر الذي صدر في وقت واحد مع كتاب دولا فيغا (أيلول 2006) وأثار مع سابقه ضجة وصخباً في الأوساط الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتادت أن تسمع صوتاً واحداً يعبّر مع نغمة واحدة ولا يتجاوزها أبداً, وهو صوت النفوذ الصهيوني / اليهودي / الإسرائيلي في أمريكا. هذا الصوت تمثله جمعية IPAC وهي جمعية اللوبي الصهيوني التي تكاد تسيطر سيطرة كاملة معنوية ومادية على مجلس الشيوخ والنواب, أي على الهيئة البرلمانية الأمريكية من الرأس إلى أخمص القدم. ومن المعروف في أمريكا والعالم أجمع أنها تعلي من تشاء وتسقط من تشاء. أي تسقط كل برلماني أمريكي يجرؤ على قول كلمة حق متوازنة أو شبه متوازنة حول قضية فلسطين, إن كان هناك مثل هذا المصطلح,... وهيهات. إن هذا المصطلح يغيب يومياً حتى في الأوساط الرسمية والإعلامية العربية وتحل محله مصطلحات مثل: النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ( كأنه نزاع عملي بين سكان وليس على وطن ومصير) وأحياناً الصراع العربي الإسرائيلي, وهو مصطلح استخدمته قمة بيروت للرؤساء العرب وهي القمة التي أقرت رسمياً مبادرة الدول العربية بالتوصل إلى تسوية مع إسرائيل تُبنى على إعادة ما يمكن إعادته من الأراضي الفلسطينية والعربية ( المجاورة لفلسطين) التي وقعت تحت الاحتلال على أثر حرب 1967, والتي زرع فيها الصهيونيون شبكة من المستوطنات أحاطوها بالجدار العازل, وانتهى بيان هذه القمة إلى عبارة مأساوية لم يكن لها لزوم على الإطلاق, ولا تدل إلا على رغبة في الخلاص من هذه القضيّة المصيرية. ) وبذلك يكون الصراع العربي الإسرائيلي منتهياً ). ومع ذلك وبعد مضي السنين لم تلق هذه المبادرة من الطرف الآخر أي استجابة أو احترام.
هذا الاستطراد يقودنا إلى رؤية جيمي كارتر الجريئة, ابتداء من عنوان كتابه الذي صدر يوم 8/12/2006
( فلسطين: سلام لا فصل عنصري( Palestine: Peace Not Apartheid
وهو كتاب ألفه كارتر بناء على عقد مع شركة سايمون وسوشتر Simon and Sohuster أريد به أن يلخص كارتر تجربته حول الوضع الفلسطيني ولا سيما بعد أن قام مركز كارتر للسلام بمراقبة ثلاثة انتخابات في (فلسطين) (وهو يستعمل المصطلح ولا يحيد عنه أبداً).
من هو كارتر?
الرئيس جيمي كارتر Jimmy Carter ولد في جورجيا في 1/10/1924, عمره الآن 86 سنة. انتخب عام 1968 حاكماً لولاية جورجيا, ثم رئيساً للولايات المتحدة عام 1976 ( عن الحزب الديمقراطي), وكان قد ركز في حملته الانتخابية للرئاسة على ثلاث نقاط هي:
حماية البيئة, والكفاءة في إدارة الدولة, وإزالة التمييز العنصري.
ويشهد له التاريخ الأمريكي أنه نجح في هذه المجالات الثلاثة وفي تبني سياسة خارجية ذات طابع منفتح على العالم, ومما يذكر له تاريخياً من وجهة النظر الأمريكية , نجاحه في جمع الرئيس المصري حينذاك أنور السادات مع الرئيس الإسرائيلي المتشدد مناحم بيغن وتوقيع اتفاقية كامب دافيد. كما أنشأ علاقات دبلوماسية مع الصين الشيوعية وأنجز توقيع اتفاقية Salt II مع الاتحاد السوفييتي السابق بغية الحد من انتشار التسلح الذري, ولم تصمد هذه الاتفاقية طويلاً بسبب أحداث أفغانستان والأزمة مع إيران بشأن الرهائن الأمريكيين, ونتيجة لذلك ولعوامل داخلية خسر جولة تجديد رئاسته عام 1980 . وبعد فترة رئاسته أنشأ مركز كارتر لإحلال السلام ولدعم حقوق الإنسان ولتخفيف معاناة المضطهدين والفقراء. وبدأ يتفهم القضية الفلسطينية, وعمل جاداً لإحلال السلام في فلسطين.
وتلقى مجدداً عشرة ملايين دولار منحة من بيل غيتس .
وقد حصل على جائزة نوبل للسلام, وألف 21 كتاباً تعدُّ من أكثر الكتب رواجاً في أمريكا وربما في العالم أجمع.
لقاء شخصي مع كارتر في دمشق
أسهم كارتر في المساعي لحل نزاعات عديدة في آسيا وإفريقيا أحياناً وأحياناً أخرى منتدباً من هيئة الأمم المتحدة وفي السنوات القليلة الماضية أخذ يولي قضية فلسطين اهتماماً متزايداً.
وفي عام 2004 توِّجت جهوده بنيل جائزة نوبل للسلام, وكان قد التفت إلى قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي بقوة محاولاً أن يتمم ما بدأه باتفاقية كامب ديفيد بين أنور السادات و مناحم بيغن , وقد زار الشرق الأوسط بعد إخفاقه عام 1980 في انتخابات تجديد الرئاسة. وكانت سورية من البلدان التي زارها ( عام 1983), وأتيحت له اتصالات مطولة مع رأس الهرم والمسؤولين الكبار, إلا أنه لم يكتفِ بذلك وطلب الالتقاء بعدد من المثقفين غير الرسميين وهذا الأمر طبيعي ويتماشى مع سياساته العامة التي أكسبته سماته العالمية الواسعة. وكان من حظّي شخصياً أن كنت وحداً من مجموعة صغيرة لم تزد عن عدة أشخاص من المفكرين المهتمين بالشأن العام ومن القادرين على الحوار معه باللغة الإنكليزية. وأذكر أنه كان من بين الحضور الزميلان الدكتور عزيز شكري والدكتور جورج جبور. ودار بيننا وبينه نقاش صريح جداً في جلسة طويلة تناولت معظم مشكلات منطقة المشرق العربي ( لا أحب كلمة الشرق الأوسط), وكانت مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان هي القضية الساخنة ومعها بالطبع قضية فلسطين ومساعي السلام. وقد تبيّن لنا من المناقشات أنه لم يكن على اطّلاع كافٍ على جذور الصراع العربي الإسرائيلي والاستيطان الكاسح في فلسطين .
وأذكر أنني لم أصدق أن جيمي كارتر, الرئيس الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بمبادراته السلمية والإنسانية خلال فترة رئاسته, يجهل طبيعة العدوان الإسرائيلي الشرس على فلسطين والأراضي العربية المجاورة ولاسيما احتلال الجنوب اللبناني في ذلك الحين.
وقد سألته بصريح العبارة وبشيء من الاستهجان عن هذه الناحية المظلمة في قوس معرفته العالمية, وكيف لم يزوده المستشارون في البيت الأبيض بحقائق الأمور.
وبالمناسبة هو إنسان صادق ومتدين Baptist, ويرأس كنيسة في بلده ويقدم موعظة في أيام الأحد, ولا مراء في اتجاهه السلمي وقد أجابني بصراحة أمام زملائي الحاضرين, وخلاصة ما قاله:
أن المستشارين من حوله كانوا جميعاً من المتعاطفين جداً مع الجانب الإسرائيلي, ويصورون إسرائيل بأنها الطرف الأضعف والمعتدى عليه ويحق له التصرف بالقوة دفاعاً عن النفس.
وحين أجبته مستغرباً كيف يتفق ذلك مع عظمة أمريكا وغزارة نصيبها من المعلومات الدقيقة اعترف أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية هما موضع تركيز من قبل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.
وبعد ذلك سألته بالنص التالي تقريباً.
ألم يقابلك في فترة رئاستك رؤساء عرب أو سفراء أو مبعوثون من بلادهم? وكيف تمّت كامب ديفيد على يديك إن كان الأمر كما تقول.
وأجابني أنه لا يذكر أن أياً من الرؤساء أو المبعوثين أو السفراء العرب طرق معه مسألة جذور القضية الفلسطينية أو حتى القضية نفسها, وأن كل ما كان يدور من حديث معهم إنما هو العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة.
وأردف أنه يزور المنطقة ليتعلم أكثر. وقد أنشأ معهداً لبحث قضايا السلام بين العرب وإسرائيل, وفيما بعد عرض عليّ التعاون بهذا الشأن من خلال العمل في ذلك المركز.
( يا ويلاه !! ما كان خيانة سافرة في ذلك الحين أصبح الآن يعدُّ في أعلى درجة من الحصافة والحنكة السياسية).
وأذكر أن أحد الزملاء الذين كانوا حاضرين في تلك الجلسة, اضطر في زيارة له إلى أمريكا أن يصافح مندوباً إسرائيلياً في مؤتمر أو مناسبة عامة. وظهرت صورته في الصحف, وكان ذلك حدثاً كبيراً عرّضه لتحقيقات واتهامات ومخاطر لدى عودته إلى الوطن.
كتاب كارتر من وجهة نظره بعنوان
( كيف أرى فلسطين( ( 8/12/2006)
نشر كارتر بتاريخ 8/12/2006 مقالاً واضحاً حول رؤيته لقضية فلسطين في جريدة Los Angeles Times وفي هذا المقال وضع النقاط على الحروف وأهم ما جاء فيه:
- إن مركز كارتر للسلام تابع أوضاع المجتمع الفلسطيني على مدى بضع السنوات السابقة كما راقب الانتخابات البرلمانية لعام 1996 التي جرى فيها انتخاب ياسر عرفات رئيساً ثم انتخابات 2005 التي حظي فيها محمود عباس بالرئاسة ثم انتخابات 2006 التي جرى فيها انتخاب مجلس تشريعي جديد فازت فيه حركة حماس بأغلبية واضحة. ويضيف كارتر أن هذه الانتخابات كانت تقريباً مبرّأة من أي نقص وكانت نسبة الإقبال عليها مرتفعة جداً باستثناء انتخابات القدس الشرقية التي انخفض فيها عدد الناخبين إلى مستوى 2% فقط من المسجلين بسبب الإجراءات الإسرائيلية القاسية على تنقل الفلسطينيين.
- إن معظم القضايا الخلافية المتعلقة بفلسطين والطريق إلى السلام من وجهة نظر إسرائيل تحظى بنقاش مستمر في الأوساط الإسرائيلية نفسها وفي أرجاء العالم ما عدا الولايات المتحدة ويضيف كارتر بالحرف الواحد: ( خلال السنوات الثلاثين الماضية شاهدت وخبرت القيود المتعسفة ضد أي مناقشة حرة ومتوازنة للحقائق المتعلقة بهذا الأمر).
- إن أي تعرّض متوازن لقضية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين من جانب أي عضو برلماني أو سياسي أمريكي, يمكن أن يؤدي لصاحبه إلى وضع انتحاري سياسياً, ولا سيما إذا جرت مطالبة إسرائيل بالانصياع إلى القانون الدولي أو الدفاع عن الحقوق الإنسانية للفلسطينيين. والغريب - في رأي كارتر- هو عزوف افتتاحيات المجلات والجرائد السياسية الأمريكية عن الأخذ بما يقدمه مراسلوها الميدانيون عن الوضع في الأراضي المقدسة.
- بشيء من التردد والحذر حول ما سوف يصادفه كتابي من استقبال, حرصت على تزويده بالخرائط والنصوص والوثائق المتعلقة بحقيقة الوضع وذلك إلى جانب وصف تحليلي للطريق الوحيد الممكن للسلام, وهو الالتزام بأن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون بسلام ضمن الحدود المعترفة دولياً لكل من الجانبين مع تطبيق قرارات هيئة الأمم المتحدة.
- مع مضي بعض الوقت أصبح من الممكن تقدير موقف تلقي كتابي لدى الأوساط الإعلامية ولدى الجمهور. فالمبيعات على قدم وساق, وقد دعيت إلى إجراء مقابلات عديدة تلفازية وإذاعية وصحفية. ولكن لم يحظ الكتاب باهتمام واضح لدى الصحافة الرئيسية. والمراجعات التي تناولت كتابي سلبياً أتى معظمها من وجهة نظر ممثلي الهيئات اليهودية الذين لم يزوروا الأراضي المحتلة ليعرفوا ما بها. ومعظم انتقادهم تلخص في أن الكتاب مناهض لإسرائيل. بل إن هناك عضوين برلمانيين من الحزب الديمقراطي ( حزب كارتر) استبقا ظهور الكتاب وأعلنا أنه لا يمثل موقف الحزب الديمقراطي من إسرائيل. ووصل الحدّ ببعض المراجعات المتحيزة لإسرائيل إلى وصفي بمعاداة السامية. وبأن الكتاب جملة أكاذيب وأنه رذيل.
- أما في العالم الحقيقي ( ?!) فقد كانت الاستجابة فائقة وقد وقعت كتباً لخمسة مواقع لدور نشر فاقت مبيعات كل منها ألف نسخة. وكانت هناك فقط ملاحظة سلبية واحدة اتهمتني بأنني عدو للسامية وأخرى بأنني يجب أن أحال إلى المحكمة.
-وأكثر ما أزعجني وأرّقني رفض إعطائي فرصة لأن أتحدث عن كتابي مجاناً وأن أجيب على الأسئلة أمام المؤسسات والجامعات التي تقودها أغلبية يهودية. وبالمقابل شعرت بثقة قوية جداً لما سمعته همساً من مواطنين يهود بارزين ومن أعضاء في الكونغرس امتدحوا كتابي لتقديمه الحقائق وبعض الأفكار الجديدة.
- إن كتابي يتضمن وصفاً للقمع الشرير والاضطهاد الذي يخضع له أهل فلسطين المحتلة, وذلك إلى جانب سياسة فصل عنصري قاس ٍ بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية. وهناك أيضاً الجدار الفاصل الذي يجعل الشعب الفلسطيني أسيراًً تحت وطأة المستوطنين اليهود ويحيط كالأفعى بالأراضي الفلسطينية المتبقية. وهناك أسباب كثيرة تقود إلى الاقتناع أن ما يجري في فلسطين أشد قسوة مما كان يعانيه الأفارقة السود في جنوب افريقية إبّان فترة الفصل العنصري. وقد حرصت على أن أبين أن الغرض ليس عنصرياً ولكنه يأتي نتيجة لطمع أقلية إسرائيلية في استيطان أماكن منتقاة من الأراضي الفلسطينية واستثمارها, وقمع أي اعتراض على ذلك من جانب أصحابها الفلسطينيين.
- إنني أدين أي عمل إرهابي ضد السكان الآمنين من كلا الطرفين, وقدمت في كتابي وقائع تبيّن الإصابات المحزنة من كلا الطرفين.
ويختم جيمي كارتر كلامه بالنص التالي الذي نقدمه حرفياً.
إن الهدف الأساسي من كتابي يكمن في تقديم حقائق الموقف في الشرق الأوسط , التي يجهلها معظم الأمريكيين, وكذلك في إثارة النقاش حول محادثات السلام من أجل إحيائها , بعد أن غابت عن الساحة خلال السنوات الست الماضية, وذلك بغية التوصل إلى سلام دائم لإسرائيل وجيرانها. وهناك أمل آخر في أن يُقْدِم اليهود وغيرهم من الأمريكيين الذين يؤمنون بهذا الهدف على التعبير عن آرائهم وحتى مواقفهم علناً وربما في وفاق عام. وسوف أكون مسروراً إذا أتيح لي أن أسهم في تحقيق هذا الهدف.