ومن مكوناته دولة الإمارات، لكن يبدو أن استمرار هذا الوضع قد بات أمراً مشكوكاً به.
عملت السعودية والإمارات جنباً إلى جنب في دعم الحكومة اليمنية ضد جماعة أنصار الله في الشمال، لكن في مطلع هذا الصيف بدأ الانفصاليون الجنوبيون بمهاجمة القوات الحكومة اليمنية أملاً بالسيطرة على الجزء الجنوبي من البلاد بهدف عودة اليمن الجنوبي مرة أخرى إلى ما كان عليه، ففي مطلع هذا الشهر، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على القواعد العسكرية في عدن التي أنشأت الحكومة عليها عاصمتها بعد أن أقصت فصائل أنصار الله عنها. ولا تزال هذه الفصائل تسيطر على الأراضي الشمالية الغربية، وقد خسرت حكومة هادي المزيد من المساحات الاستراتيجية في جنوب اليمن أمام المجلس الانتقالي الجنوبي الذي حظي بالتدريب والدعم من الإمارات، وفي العموم يرغب التحالف العربي طرد أنصار الله من الشمال، ورغم تحالف الإمارات مع السعودية نجدها تدعم الانفصاليين الجنوبيين في اليمن لعدة أسباب سنأتي على ذكرها.
في الشهر الماضي أعلنت الإمارات عن سحب قواتها من الميناء الشمالي للحديدة، مؤكدة للمجتمع الدولي بأنها اتخذت تلك الخطوة بالتنسيق مع السعودية، مبررة موقفها بأنه مجرد محاولة لتنفيذ ما اتفق عليه في معاهدة السلام التي رعتها الأمم المتحدة في استوكهولم شهر كانون الأول.. وبعبارة أخرى، فإن انسحاب جيشها من الحديدة يعني ابتعاد الإمارات عن السعودية وبالتالي عن معارضتها لإيران، وبذلك فإن أبو ظبي تعرب لطهران عن رغبتها بالدبلوماسية بدلاً من المواجهة العسكرية بين البلدين في مضيق هرمز.
إضافة إلى ذلك، بعد خروج القوات الإماراتية من عدن عمد وكلاؤها في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى طرد قوات حكومة هادي من المدينة، واشتدت الاشتباكات بعد هجوم جرى على قوات موالية للمجلس الانتقالي وذلك بعد يوم واحد من زيارة وفد إماراتي إلى طهران، وقد وجه المجلس الانتقالي هجماته ضد حكومة هادي لقناعته بأن حكومته كانت وراء هذا الهجوم.
اعتدت السعودية على اليمن في شهر آذار عام 2015 بغية تنصيب حكومة هادي ووقف أنصار الله عن السيطرة على مناطق استراتيجية، لكن الإمارات أرسلت قواتها ومعداتها إلى اليمن في شهر حزيران عام 2015 لما لها من مصالح في ميناء عدن.
وفي عام 2016، بدأت الإمارات تهيئ ما يسمى قوات الحزام الأمني، والتي تتضمن مجندين من الجنوب، وفي ظل القيادة اليمنية اعتُرف بقوات الحزام رسمياً باعتبارها قوات حكومية موالية للحركة الانفصالية الجنوبية، ومن خلال دعم الإمارات لقوات الحزام فإنها بذلك تساند القوات الساعية لجنوب مستقل.
وبغية إرضاء الإمارات، ضم هادي أعضاء من الحركة الجنوبية المستقلة إلى الحكومة المحلية، ونتيجة لذلك فإن أعضاء هذه الحركة أصبح لديهم القوة لإنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي في شهر أيار عام 2017 ليمثل الجنوب.
في شهر كانون الثاني عام 2018، تحدى المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة عندما عمدت قواته التي تحظى بالدعم الإماراتي إلى السيطرة على كامل عدن تقريباً والمعسكرات التابعة لحكومة هادي، وبغية استعادة السلطة في الجنوب تم الاعتماد على المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تمكن من زيادة نفوذه على مؤسسات الدولة الحكومية عندما عمد إلى تعيين داعميه في مناصب حكومية، ومن خلال سيطرة المجلس على عدن بتاريخ 10 آب فإنه أكمل بذلك ما بدأه في عام 2018.
لا يتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي بالدعم من كل المحافظات الجنوبية، لكنه يتلقى دعماً من بعض الفئات المسلحة والقبائل التي مكنت جيشه من التوسع في شبوة الواقعة شرق عدن، وبعد محاولات هذا المجلس السيطرة على البنية التحتية للنفط والغاز الطبيعي، بدأت المملكة السعودية بدعم ومؤازرة موقف هادي على الأرض من خلال دفع رواتب القوات المؤيدة للحكومة، وفي حال استمرت قوات هادي في الحصول على الدعم واستعادة الأراضي في عدن من أيدي المجلس الانتقالي الجنوبي، فلا ريب بأن الإمارات ستخسر نفوذها في اليمن.
إن قيام الإمارات بدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، يشكل مخاطرة لشراكتها مع السعودية، إذ ان كلاً من السعودية والإمارات يقدمان نفسيهما على أنهما جبهة موحدة، ولكن السعودية الداعمة لهادي تضغط على الإمارات للالتزام بأهداف عدوان االتحالف في اليمن، وبالإضافة إلى ما ذكر آنفاً يلقي الرئيس المحاصر باللوم على الإمارات لجهة مساندة المجلس الانتقالي الجنوبي بالسيطرة على عدن ويطالب بإبعاد الإمارات عن التحالف، وفي رد على ذلك لوح مسؤول أمني إماراتي سابق باحتمال اغتيال هادي.
تسعى كل من السعودية والإمارات إلى تسهيل المفاوضات بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، ومع ذلك فإن حكومة هادي ترفض المشاركة في المحادثات إلى الحين الذي يتم به تسليم المجلس الانتقالي السيطرة على عدن ومناطق جنوبية أخرى. إلا أنه يبدو بأن المجلس الانتقالي الجنوبي لن يذعن لتلك المطالب إلى حين الاعتراف به ممثلاً للجنوب.
إن سيطرة القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على عدن يعرض سلامة الدولة اليمنية ووحدتها للخطر، ولاسيما في ضوء وجود المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب وأنصار الله في الشمال، الأمر الذي سيفضي إلى إلحاق الهزيمة بالسعودية في هذه الحرب. وبتقديرنا نرى أن ما يحدث من تغيير في جنوب اليمن سيكون له تأثير بالغ على شكل العلاقات القائمة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة..