والردة إلى العصور الحجرية الغابرة في فجر التاريخ. وإلا لماذا تم تحطيم التراث الإنساني المستمر منذ آلاف السنين، تحت ذريعة أن النحت والرسم والموسيقا من المحرمات، ولماذا دمرت وحطمت لوحات وتماثيل لبعض كبار فنانينا، وكنا نسمع أو نقرأ عن فتاوى التحريم الصادرة عن الجماعات التكفيرية منذ أيام حداثتنا.
في الجهة المقابلة رأينا خلال سنوات الحرب، رموزاً وعناصر تكفيرية، في العديد من الأعمال الفنية والأدبية، وكنا نتصدى لها أو نتجاهلها لمعرفتنا المسبقة بمدى خطورتها المدمرة للمجتمع.
من الناحية الفنية، قد تكون التجربة الفنية ضعيفة, رغم أن مواضيعها ثورية وطليعية، فالفن الشاب الذي يقدم اليوم في معارضنا يثير التساؤل وعلامات الاستفهام حول مفهوم التشكيل الحديث ومسالك الابتكار وعلاقة التراث بالحداثة والمعاصرة، لأن التجديد في الفن التجريدي لا يعني استعادة الصيغ الغربية الجاهزة، وإنما الاندماج بنبض الحالة الداخلية الذاتية والمشاعر المعاشة أثناء إنجاز اللوحة، لأنه حين يكون الإحساس يكون الكشف في حركة الخطوط والإشارات والدلالات اللونية.
قد تكون بعض الأعمال الشابة وصلت بتعبيريتها التجريدية إلى ضفاف المدى التشكيلي العبثي، الذي يرضي توجهات بعض المتذوقين النادرين، إلا أن تلك اللوحات تقطف في أحيان كثيرة اجواء التخريب والتشطيب والتنفير والتجميع و التعبير الدادائي. وبذلك فهي لا تقدم أي جديد على صعيد البحث التشكيلي والتقني.
وإنما تستعيد كل ما هو بائد ومألوف ومطروح في حركة الفنون العالمية. فالاتجاهات التشكيلية المختلفة، قد تقف في أحيان كثيرة على طرفي نقيض، بين أقصى حالات التجسيد الواقعي وأقصى حالات التجريد الانفعالي. بين الماضي والحاضر، وبين الشرق والغرب, وبين المواضيع التقدمية والطليعية والمواضيع الظلامية والرجعية والمتخلفة.