دفعني هذا القول، للتساؤل: إذا كان المثقف شجرة خضراء، فلِمَ لايسعى مع سواه من المثقفين، لإيجاد الحقيقة ومن ثمّ صنع الغابة المنشودة في اخضرار قلبها وسطوعِ نورها؟..
سؤال، أعتقد بأن الإجابة عليه تتطلب وبالدرجة الأولى، أن يتحرّر المثقف الذي نقصده، من عقدة الاستعلاء على المواطن العادي، ومن ثمّ تحرير هذا المواطن مما يشوب عقله من سلبياتٍ واستبدالها بالحكمةِ التي تنيرُ لديه كل فكرة، وعبر النقاش المقنع والمتمكِّن في قدرته على إخراج الذين يحاورهم من ظلام عقولهم إلى نور العقل الإنساني.
بالتأكيد، هي وظيفة المثقف الجماعي لا الانفرادي أو المنقاد أو المتسلط أو التابع أو القبيلي أو حتى السلطوي..
وظيفة المثقف الذي يمتلك من الاستقلال الفكري والوعي العقلي، مايؤهّله لطرحِ أفكاره وثقافته بتوازن شامل ومتّسع في مفهومه وقدرته على ترميم الفجوات بين العقول. أيضاً، على انتشال ما فيها وليس مُقنعاً أو جاهلاً أو متعصباً أو سوى ذلك ما يعيق حاجتها إلى الامتلاءِ بالتنويري.
هذه هي وظيفة المثقف الذي عليه أن يسعى لصنعِ غابة لا حطامَ فيها، ولافضاءَ يطيح بالواعي من عقول مثقفيها.. غابة، لاأزمات تحرقها ولاجهات تمتلكها، ولاشيء يعصفُ بخلقِها أو يخترقها، إلا ما يسلط النور على كلّ مافيها من اخضرارٍ ينمو بأخلاقِ صُنَّاعها وعقولهم وأفكارهم السامية سمو الأشجار وأوراقها.
لاشك أن كل ذلك يحتاج إلى مناخٍ ديمقراطي وعقلاني. ديمقراطي في وعيه لا في محدوديته أو غزوه، وعقلاني في بحثه عن كل مايجعل اخضرار الغابة يتوازن بتوازن المثقف الذي عليه أن يحافظ على ماأنتجهُ فيها من حضاري.
نعم، كل ذلك يحتاج إلى مناخٍ، وإن سادته عواصف الفضاء وأزماته وانعكاساته وهيمنته وتقلباته. أيضاً، عواصف الغوغاء والحاقدين والأعداء. إن سادته هذه العواصف، إلا أن مايقيه شرورها، إيمان المثقف الذي علينا ألا نحمّله مالا طاقة لوعيهِ به، بأن عليه اتِّقاء كل ذلك بالحقيقة التي يُفترض أن يكون قد تسلّح به اتي شكّلت لديه هوية حقيقية. هوية، هي الحقيقة التي يمتلكها بالمستنير من أفكاره السامية والراقية والعقلانية. هوية غير متنكرة أو مزدوجة أو ممهورة بعقائد كافرة أو جاهلية.