|
مائدة الدراما الرمضانية إضاءات من الجانب الآخر، مقتنع أن من فعل ذلك فقد أحسن الاختيار بحكم وفرة نقاط التلاقي بين المائدة الدرامية، ومائدة الطعام (الانتقامية) التي يكرس بعض الناس كل مجهودهم في الشهر الفضيل (وقبله) كي تكون مكتظة بما لا يقدرون على استهلاكه.. على عتبات عيد الفطر السعيد قد لا يبدو مناسباً الحديث عن ابتعاد العادات الرمضانية عن جوهر مفهوم الصيام. والمشكلة أن مثل هذا الحديث لا يبدو مناسباً أيضاً قبيل شهر رمضان!! فمظاهر السلوك الاجتماعي العصابي التي ترافق (الاستعدادات) لشهر الصوم توحي بالتحضير لمواجهة (مجاعة) لا استقبال موسم زهد وتقشف، كما يفترض في أي صيام. فكثير من الصائمين يبدون وهم يتأهبون لاجتياح مائدة الطعام المكتظة رغم الارتفاع الخيالي في كلفتها وكأنهم ينتقمون من الساعات القليلة التي حرموا فيها (طائعين) من الطعام، وبعد (الاجتياح) يصبح الاسترخاء حتى موعد النوم، أو السحور، ضرورة لا بد منها من أجل هضم ما تم ابتلاعه في وجبة الإفطار لإفساح المجال لما سيتم التهامه في وجبة السحور. ثم يتوج هذا الاحتفال (الالتهامي) بما يتم توفيره من حلويات وأطعمة خاصة في أيام عيد الفطر السعيد. استجابت محطات التلفزيون العربية لهذه التقاليد الرمضانية الخاصة، فتسابقت على إنتاج برامج الطبخ، وتدافعت من أجل شراء المسلسلات التلفزيونية الجديدة، خاصة أن ساعات البث (الأربع عشرينية) قد وفرت لها إمكانية عرض عدد كبير من المسلسلات في اليوم الواحد تتيح جذب المشاهدين و الإعلانات التجارية، وتترجم حالة مائدة الطعام الرمضانية الشرهة، على شاشة تلفزيونية شرهة. ومثلما يؤدي التدافع على أسواق الطعام إلى ارتفاع أسعاره كل سنة بدل انخفاضها لو التزم الصائمون جوهر سلوك الصيام، فإن التنافس في الحصول على المسلسلات الدرامية الجديدة أدى إلى رفع أسعارها في رمضان عما هو عليه في باقي أشهر السنة. فصار هذا الشهر مقصد القسم الأعظم من شركات الإنتاج الدرامي التلفزيوني المعنية، أولاً وأساساً، بتحقيق الربح المادي. وعلينا الاعتراف أن الفضاء التلفزيوني العربي قد عمم من بين ما عممه سلوكاً اجتماعياً رمضانياً، يحول هذا الشهر من شهر للعمل والزهد والتقشف، إلى شهر للكسل والشكوى والإسراف. ومع أن أنظمة العمل عندنا لا تلغي الدوام كما في بعض البلدان العربية، و تقتصر على تخفيض ساعاته بقدر قليل، فإن مواقع عمل كثيرة تشهد في واقع الحال شللاً كاملاً أو شبه كامل بحجة أو غيرها. وهذا الأمر وما سبقه يتطلب منا كمجتمع إعادة النظر في السلوك الاجتماعي الرمضاني، وتخليصه مما لحق به من شوائب تشوه مفهومه ومعانيه وغاياته. أما الدراما التلفزيونية التي تحظى بحفاوة استثنائية في (مهرجانها الرمضاني السنوي) فإن ما يلحق بها من خسائر في هذا العرض (المكتظ) هو أكثر بكثير مما تحققه من أرباح، ولست أتحدث هنا عن الأرباح المادية للمنتجين، (وخاصة الطارئين والدخلاء على المهنة) ولا عن الأرباح الأسطورية لشركات الإعلان والمحطات الراعية، التي تتناسب طرداً مع ارتفاع قدرتها على الترويج. وإنما عن الخسائر المعنوية للجوانب الإبداعية و(الثقافية)، ففي زحمة العرض، وشراء كل ما ينتج، تُسقِط أعمال غير قليلة الشروط الإبداعية والفنية، وتفقد غيرها فرصة التقويم السليم، ويخسر معظمها فرصة المتابعة المتأنية والدقيقة، والتفاعل مع محيطها. ويكفي خسارة أن ينحصر عمل سنة كاملة في شهر وحيد منها. www.facebook.com/saad.alkassem
|