تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الــعرب وأميـركــا.. مـنهجيــة منــح الــفرص المجـــانيـة

شؤون سياسية
الأربعاء 1-7-2009م
د. أحمد الحاج علي

ليست همزة الوصل كافية بمعايير موضوعية وعاطفية لرصد العلاقة بين الداخل والخارج في الحياة العربية، هناك ماهو أوسع وما هو أعمق ولكن الأمر يتكيف في حدود وعي هذه العلاقة والاعتراف بها كقاعدة عضوية للعمل والتعامل معاً،

ومن المؤسف أن تجري كل الصياغات الأدبية والسياسية في وطننا العربي على فكرة حجز الداخل عن الخارج بمعدلات متعسفة وتبرير الخارج في كل مايستهدفه ويؤديه على أرض الواقع من تهمة استهداف الداخل العربي، ولعل اللقطة الفكرية الوحيدة التي تعترف بها جميع الاتجاهات نظرياًهي أن مايتشكل في الداخل العربي هو قاعدة الحساب والاعتبار في الخارج وعلى قوى الخارج، ولكن المحزن هو أن السلوك السياسي بأنماطه العربية المتفاوتة والمتناقضة يقر بأهمية الداخل وحيوية مايجري في البنية الذاتية العربية، لكنه فيما بعد لايقدم مايؤكد هذه الحقيقة إذ سرعان مانعتقد أن ذاتنا العربية ليست أكثر من موقع محدود متحرك مرة وساكن مرات أخرى، وهذا مايؤطر السياسات العربية بجميع أطيافها وهي تندفع باهتياج ودأب نحو الخارج تستطلع منه مايمكن فعله وتستمد منه ملامح البرنامج الداخلي وتنطلق منه على أنه هو العامل الأهم في كل مايجب أن يكون عليه الداخل العربي ولاسيما في منسوب القضايا الكبرى والعناوين الأبرز.‏

فيما مضى كان اجتراء الخارج الغربي على العرب يكتسب صفتين: صفة المؤامرة من خلال صيغ الأحلاف والمعاهدات والبرامج الدولية والمشروعات السياسية المخططة وهذا ماقاومته بصورة عامة تشكيلات الأمة العربية وقواها الحية، وصفة أخرى ذرائعية أساسها حماية المنطقة العربية من السقوط بيد قوى إقليمية أوعالمية مثل الشيوعية سابقاً ومثل قوى النهوض والتحرر في المنطقة ذاتها، وباستمرار كان الخارج الغربي وفي دفتر عائلته الصهيونية وإسرائيل مرفوضاً ومذموماً وكان أسلوب المؤامرة عن طريق الانقلابات وإثارة الفتن وتدبير بؤر التوتر في الداخل كان ذلك كله هوالوسيلة المتاحة أمام الغرباء عبر الطرق الالتفافية والمخارج الخلفية والاشتغال تحت جنح الظلام في ضخ سموم الخارج إلى الداخل العربي.‏

لقد تغيرت تماماً هذه الآلية، بالأمس كان الغرب يقرر وينسج مهامه سراً أو بصورة غيرمباشرة، اليوم تحطمت هذه الصيغة وصار الداخل العربي بقواه المالكة هو الذي يستدعي من الخارج كل المقومات التي تسهم في ضبط الداخل العربي وتفصيل مقاسات وصيغً يرتديها هذا الداخل ويستكين لها باعتبار أن قوة الحماية فقدت تأثيرها في الداخل وصار لابد من الاستقواء بالعامل الخارجي حتى وصل الأمر إلى درجة أن يصبح الغرب الاستعماري محرراً، وأن تصبح عواصم الغرب مرجعيات ومراجع سياسية وعسكرية واقتصادية والكثير من القرارات العربية بمنطق ومهام ماتقرره هذه العواصم وبقيت النقطة الأخطر وهي التي تشكلت من جهة وتسربت من جهة أخرى إلى الحياة القومية بطريقة التراكم المضطرد والأداء المتعمق، هذه النقطة الخطرة تمثلت في أن يعتنق الداخل العربي ضعفه كحالة نهائية لا انفكاك منها ثم أن تكرس لحظة الأمر الواقع السلبية عموماً على أنها وضع نهائي وعلى أنها ذات قيم تؤكد أن الاعتماد على الخارج هو أفضل بكثير من الارتهان للداخل الذي لم يقدم سوى الهزائم والفقر والتناقض ونمو أعراض الجاهلية المعاصرة، لقد اشتغل النظام السياسي العربي بمجمله على هذه القاعدة تماماً، وتكونت قناعة مؤقتة بأنه لا إمكانية ولاجدوى من مواجهة الخارج الغربي ومن ثم فلابد من هذا الغرب في تفاصيلنا الداخلية حتى ولو كان شراً لابد منه، إننا باحتساب بسيط نرى أن تأثير الداخل العربي في الخارج الغربي هو في منطقة الصفر وأحياناً دون الصفر في حين تبدو اندفاعات الخارج نحو الداخل العربي هي في منطقة المئة ولربما مايزيد على ذلك، لقد أدرك الغرب هذه الوضعية بخصائصها المستجدة وفي حين تعاطت أوروبا مع هذه الوضعية على أنها منهجية تستدعي التشاور مع العرب ومحاولة إقناعهم بالتي هي أحسن أن يقبلوا المنهج الأوروبي بفقراته وعناوينه، في حين يحدث ذلك كان الغرب الأميركي «يأخذها من قصيره» ويعلن نفسه مطلوباً من العرب وإذا ماحاول أحد ألا يقتنع بذلك فإن القوة العسكرية والنفوذ الاقتصادي والهيمنة الثقافية جاهزة لكي تتحرك نحو العرب قبلوا ذلك أم رفضوا ومن المؤسف بالمعنى التاريخي أن نقطتين خطيرتين فرضتا وجودهما هنا على مجمل أنماط السلوك السياسي والاجتماعي في الداخل العربي:‏

أما النقطة الأولى فهي رفع مستوى العلاقة مع الغرب بطريقة التبعية له من حالة الأمر الواقع إلى حالة الأمر المطلوب وبهذا المعنى لم تتشكل مسوغات فحسب لتبعية الحال العربي للغرب وإنما جرى بصورة منتظمة ومتراكمة توليد ثقافات لتثبيت هذه العلاقة مع الغرب وندرك تماماً الآن أن ثقافة التبعية صارت عنواناً عملياً في الوطن العربي، بالأمس كانت التبعية تهمة على الأقل وكان الحاكم العربي يدفع عن نفسه هذه التهمة ويتنصل منها، كانت التبعية أمراً معيباً وخطراً في سياق واحد، اليوم صارت التبعية- وإن اختلفت مفرداتها وخطابها الفكري- منهجاً ونهجاً يجاهر به الجميع ويطرح عربياً على أنه وعي بحالة العالم واختيار مناسب لتدبيج الحلول للمشكلات العربية المزمنة والمستعصية ولايجدي في تخفيف هذا الاستخلاص بعض التزيين هنا وبعض الادعاءات هناك وخطاب عربي رسمي متكرر قد يبدأ من الحكام الأعلى ويمر بالوزراء التنفيذيين ويحط به الترحال عند القطع المتناثرة من النخب الثقافية والإعلامية والحزبية.‏

والنقطة الثانية هي مايتعمق في الآونة الأخيرة في طريقة الأداء السياسي العربي ولاسيما في تعامله مع المواقف الغربية، هناك مايسمى الآن لحظة الانتظار وضرورة إعطاء الفرصة للآخر لكي يبلور فكره وفكرته عن العرب بعد حين، والسياسات الغربية موزعة دائماً على بدايات لابد من إعطائها الفرص، فهناك دائماً حزب جديد يحكم وهناك دائماً رئيس جديد يظهر مرة في فرنسا ومرة في بريطانيا ومرة نهائية في واشنطن وإعطاء الفرصة لهذه البدايات يتطاول ويمتد حتى لكأن السياسات العربية تعشق مثل هذا الأسلوب لأنه يريحها من المسؤولية ويعفيها من التبعات.‏

الآن في التداول الحزب الديمقراطي الأميركي وكاريزما سياسية وثقافية مستجدة تمثلها شخصية الرئيس باراك حسين أوباما، لابد أن ننتظر، والذي تأمله أو تتأمله هوأفضل بكثير من أن تورط السياسات العربية نفسها باختياره الذي قد لايرضي الغرب الخارجي ولايحدث إلا الفوضى في الداخل العربي، وكما منطق البدايات والانتظار يفرض حضوره كذلك تأتي لحظة النهايات وتوقع مابعد الوضع الحالي حتى لقد صرنا كعرب مجرد عباد يحلمون بالآتي ويبررون كل ماهو قائم، ولننظر إلى أخطر نتيجة حدثت في الفترة الأخيرة، نعم هناك إدارة أميركية جديدة ودعونا نتوافق ولانتفق على أن هناك خطاباً وعناوين مستجده شكلاً، مستقرة مضموناً تطلقها الإدارة الأميركية الجديدة، وقد كان الأصل أن يستثمر العرب هذا الظرف الزماني والسياسي، وأن يفصحوا عن قوة مقاصدهم وعدالة قضاياهم بمعدلات لالبس فيها وأن يضغطوا على العقل الأميركي (المستجد) بطريقة وضعه بين خيارين إما العدل والمنطق أو انفجار البركان في الداخل العربي وأن تظهر هذه السمة التعبيرية بأن الصبر قد نفذ وبأن الاتجاهات قد وصلت إلى الطريق المسدود وما عاد في الجسد العربي مكان لضربة سيف أو طعنة رمح وبأن الخيار القائم الآن هو مابين سلام عادل وحرب قادمة.‏

إن الذي حدث هو العكس، فقدت اللحظة الراهنة استحقاقها العربي وصارت زمن انتظار رخو مترهل، والأمل عند العرب هو أحب المسارات وأجملها حتى ولو كان موهوماً أو كاذباً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية