تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تـــلك المــــحطة

آراء
الأربعاء 1-7-2009م
حنان درويش

ترى - لماذا تسافر السنونو وترحل إلى مواطن الدفء والحياة؟

في كل رفة جناح بعد، في كل لفتة رأس إشارة، في كل حركة دراية، في المسافة ما بين خطوة وخطوة تجل جديد، في التهيؤ للرحيل عمق وإمعان.. وعندما أعلن الطيران، ترقى روحي وتشفّ وتسعد بمتعة التحليق، قالوا قديماً: في السفر سبع فوائد.. وأنا أقول: في السفر سبعون فائدة سبعمئة سبعة آلاف، السفر متعة، تألق، استكشاف، تجل، تحمّل، وجود، صحبة، حوار، تعوّد، رؤى، عشق، تعرّف، حيوية، بحث، كتابة، سعادة، هواتف، رسائل، تشوّق.‏

خاطبت نفسي ذات يوم: «ليت لي في كل بلد سكناً».‏

لم تتحقق هذه المقولة إلابعد أن عرفت نعميات السفر، وتيقنت أنني عاشقة له، ولي فيه أبعاد وأحوال، به استطعت أن أعرف نفسي أكثر وأبلور شخصيتي وأضيف إلى لهجتي لهجات عدة، وإلى عاداتي عادات أخرى، وإلى طعامي أطعمة لم أكن أعرفها، في السفر لا أنام، فالجسد والروح بحاجة لأن يتوازنا ويحلقا، كي يفيضا ويشرقا، أثناء ذهابي وإيابي، وبعد أن أعود، أقرأ وجوه الناس وطباعهم، وفصول حياتهم، أتنقل من ذات إلى ذات، ومن متناقضة إلى أختها، فأحقق انسجاماً بينها، وأكتسب خبرات وفلسفات لاتستطيع أن تعطيني إياها الكتب وحدها، وكلما ملكت أكثر، أحسست بغياب جم لمعطيات عديدة وبأن زاوية في النفس فارغة، يجب أن تعزز، وتولدت عندي رغبة لرؤية بلدان وأقاليم وبشر طالما قرأت عنها، وارتبطت شخصياتها وسماتها بشيء يخصني.‏

من خلال الترحال عرفت معنى أن يصبح المرء هائماً في الكون، سائحاً في المجهول، طوّافاً في أماكن لم تطؤها قدماه بعد، مشيراً للجديد المختلف، ملماً بأحوال الآخرين، ذائقاً لذة ما يرى واصلاً سراً بسر، ووجداً بوجد، موقناً أن يكون كالمتصوفة الذين جالوا الدنيا، فأصبح لهم في كل مكان أحبة ومريدون وأصدقاء وبقع نور تشع على الروح واللغة والعلم والكشف، وعلى أمور لا تدركها إلا الذات الإنسانية التواقة للمعرفة.‏

عندما أصل البلد الذي أبغي تقابلني وجوه وشوارع وبيوت ونفوس، فأعول بتسجيل انطباعاتي على الحدس الأول، والإشراقة الأولى... ونادراً ما تخيب.‏

في البدء ألتقط صورة إجمالية ثم أخذ بالتفصيل... والتفاصيل الصغيرة هي بمثابة مفاتيح تشرع أبواباً وفضاءات تسكنني وتمسكني من زمام عواطفي، وتقودني إلى عوالم ثرة بالمدهش والأخاذ، في الغربات البعيدة غربات الجمال والمشاهد الآسرة، هناك أفتح نوافذ عيني، فأجد نفسي مضمخة بالأحلام والأسرار والأفكار، أمد يدي صوب السماء فأرى الطيور لما تزال تحب الهجرة والغيوم لا ترغب بالبقاء والنسائم تقبل الأفنان، ثم تغادر على عجل إلى أفنان أخرى، والجداول تعبر من ثقوب السلال.. أبتسم، وأنا ألمح العاصمة تفتح أبوابها، بينما القلم لما يزال بين أصابعي يتحدث عن السفر، أغلق دفتري ألملم شتاتي، أترجل من «البولمان» تضمني محطة لها في القلب محبة ولهفة فمنها وإليها يكون انطلاقي وسفري باتجاه أصقاع مختلفة وأرجاء..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية