تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


علامــــــــــات أيـــديـــــــو جمــــــاليّـــــــــة

ثقافة
الاربعاء1-7-2009
عبد الكريم الناعم

بداية، قد يكون من المهم الإشارة إلى أن (تقديم) الأيديولوجياعلى الجمالية لايعني (التقدّم) في أفضلية مفترضة،

لأن العلاقة بين ماهو أيديولوجي، بعيداً عن المعنى السلبي المتداول، الذي فيه الكثير من ظلال حمولات الجمود العقائدي، لأن الأيديولوجيا هي «نسق من الآراء والأفكار والنظريات السياسية والحقوقية والدينية والأخلاقية والجمالية والفلسفية» /المعجم الفلسفي المختصر/ بعيداً عن المعنى السلبي الذي قرّ في الأذهان محمولاً على دوي انهيار المنظومة الاشتراكية المحزن، فإن علاقة مايؤول للأيديولوجيا في التقييم النهائي هي علاقة (المعنى)، بشكل ما، بـ (الصورة)، تلك العلاقة العضوية التي لافكاك منها، وذلك لأن (الصورة) هي مجلى ظهور المعنى، ونحن نتعامل في الحياة مع الصور الحاملة للمعنى، على اختلاف تلك الصور وتنوعها، إذ مامن شيء دون صورة مادية أو معنوية يتحقق بها ظهوره، حتى الذهاب، أو توهم الذهاب إلى مايسمى الشعر (الشعر الصافي) في قمة تحققه حين تقل فيه الصور الشعرية فإنه لافكاك له من المعنى وإلا تحول إلى هلوسات والمعنى لايبرز واضحاً، مفهوماً، نستطيع التواصل معه إلا من خلال (الصورة)، و(المعنى الشعري)، أعني أن تجسده الفني لايكون إلا من خلال طرائق التعبير الشعري، والقصيدة التي يشع في أنحائها الحضور الجمالي تحمل الكثير من ثمار المعاني المثيرة للدهشة، وفي موقفنا أمام الجمال، بما فيه من فتنة وإغواء، نحن أمام واحد من اثنين.‏

ثمة من يرجع الجمال الباهر، أياً كان شكل تجليه، إما إلى المطلق الربّاني الذي تتحرك جماليات هذا الكون إليه حركة شوقية، على حد بعض تلك الآراء- وإما أنها تعيدها إلى مطلقية في الجمال الطبيعي، أو الذهني المتصور، وفي كلتا الحالتين فإن ذلك الجدول يصب في أحد ذينيك المحيطين.‏

إذن ليس ثمة فكاك من الأيديولوجية بعيداً عن مفهومها السياسي الآني، والذي يرفضه البعض بسبب انتمائه السياسي، الحزبي، ولايستطيع رفضه أيديولوجيا، وفي هذه المساحة.. مساحة حضور ماهو جمالي تتوحد الأذواق، فما جميل هنا جميل هناك، وحضور الجمال لايمارى فيه، حين يكون الإنسان غير مصاب بمرض المناكفة المجانية، مع الإقرار بدرجات تكاد تكون غير متناهية في المرتبة، لأن تقييم الترتيب يخضع للذوق الفردي، فما هو باهر، وفي المرتبةالعليا عندك قد يكون في مرتبة أقل عندي، دون إخراجه من دائرة الجمال وهذا التنوع والثراء في الأذواق يفترض أن يكون له انعكاسه في قبول الذوق الآخر، والذوق السليم لاينفي ذوقاً آخر، لأن النفي هو وظيفة (التعصب) وليس من وظائف الجمال.‏

نقول هذا لاعتقادنا أن الأيديولوجيا تلعب دوراً لدى المتلقي، رغم أن التلقي لقيمة جمالية يهز مشاعرالجميع، ويدخلهم في دارة تجلي الجمال الفاتن، فإنه في التعليل والتفسير يذهب به من يؤمن بالغيبيات ومطلقاته إلى فضاءات لانهائية من عوالم الجمال الرباني الروحي،الباهر، الدائم الفيض، والذي لاينتهي، ويذهب بهامن يؤمن بالمحسوس لاغير إلى فضاءات لانهائية أيضاً من عوالم الجمال الكوني الحسي، دون حدوث فروق في التذوق الجمالي لحظة التلقي، والفارق المشار إليه يظهر في تحليل النص على يد كل منهما، هنا لايمكن إغفال أن الصراع غير المنطقي، والذي برز في فترة من الفترات، بين الدعوة لما هو جمالي وما هو أيديولوجي، كان لدى الطرفين يقوم على دوافع أيديولوجية متضادة، بين من ينحاز للطبقات الاجتماعية الفقيرة ومن ينفر من ذلك الانحياز الطبقي، وحتى في الساحة التي يشكل الانحياز فيها لحقوق الفقراء المنهوبين مسوغاً لأهداف تحركاتهم.. كان الخلاف (حزبياً) أي أنه أكثر ضيقاً.‏

الآن وقد غابت عن الساحات العامة مقولة الصراع الطبقي، ولو إلى زمن نجد أن الصراع، على المستوى الشعري، قد انتقل إلى الأنماط الشعرية وأبرزها ماهو (مسعّر) بين نظام الإيقاع وقصيدة النثر، وهذا يؤكد أن الصراع مظهر من مظاهر الحياة الأساسية والمشكلة ليست في الصراع بحد ذاته حين ينحو إلى الإيجابية وعياً، وتفاعلاً، وعلاقة، بل المشكلة في العقلية، القبلية، التصفوية، التي لاتقبل الآخر، رغم وجوده، وتريد تصفيته، وهذا يحيلنا بدوره إلى ضرورة إقامة التوازن (العادل) الذي يرفض الاستغلال، والنهب، والإثراء غير المشروع، أياً كان شكله، عند هذه النقطة من المهم أن نلاحظ أن ثمة أسماء أدبية قد حققت حضوراً له علاقة بالإثراء غير المشروع في مجالات المال، فقد (أخذت) من الشهرة مالا تحمله نصوصها من قيمة إبداعية، فهم أبناء سوق السمسرة الأدبية، والوصول المعتمد على اليد الأيادي التي أجلستهم على تلك الكراسي، الذين يظنون أن الأدباء، والوافدين إلى سوق الأدب هم أكثر وعياً، وديمقراطية، كما يفترض أصحاب هذا الظن الواهمون، لأن الماثل في الفضاءات الأدبية يشير إلى أن بعض أهل هذا النجع لايقلون دكتاتورية، وانغلاقاً وتعصباً، وهذا مايقلل كثيراً من فاعلية الريادة، والاستبصار، والوقوف بجانب ماهو (حق)، لأنه حق، يبعده بقوة، وبقسوة من الساحة الفكرية الأدبية.‏

al_naem@gawab.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية