لهم في كل ما يفعلونه في الحرب والعدوان ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وارتكاب المجازر واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم تحت ذريعة الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، ومعتادون أيضاً في مجاراة الولايات المتحدة لهم في المراوغة والتضليل والخداع والتهرب من استحقاقات السلام، والنظر باحتقار إلى قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها. وبناء على هذا الاعتقاد خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ليؤكد في خطاب له رفض حل الدولتين واضعاً شروطاً تعجيزية لقبول إسرائيل بقيام «دولة فلسطينية» تبدأ بالاعتراف بيهودية الدولة وبقاء المستوطنات مشترطاً أن تكون هذه الدولة وفق رؤية «بيبي» منزوعة السلاح لا جيش فيها ولا يحق لها عقد التحالفات ولا تملك السيادة على مجالها الجوي، وتخضع لترتيبات أمنية تتعلق بالسيطرة الإسرائيلية على الحدود.
أما القدس فيجب أن تبقى خارج النقاش باعتبارها العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وأن مشكلة اللاجئين تحل خارج الدولة العبرية، ولعلمه علم اليقين أن التراجع الأميركي عن الضغط المباشر على إسرائيل قادم لأن الولايات المتحدة لا يمكنها إجبار إسرائيل على شيء ترفضه، أعد بنيامين نتنياهو خطابه في الأساس ليلقى استحسان الأذن الأميركية من خلال لفظ تعبير «الدولة الفلسطينية» التي تعني بالنسبة إليه حكماً ذاتياً لا أكثر ولا أقل، فقرر التسامح في تسمية هذا الحكم «دولة» متجاوزاً بذلك حواجز نفسية وسياسية راسخة وسط اليمين الصهيوني الذي ينتمي إليه وهي حواجز كان هو من أبرز من كرسها في أدبياته السابقة الرافضة بشدة لفكرة الدولة الفلسطينية.
وبالفعل فقد جاء التراجع باكراً وسريعاً حيث اعتبر البيت الأبيض أن طروحات نتنياهو خطوة مهمة إلى الأمام وأعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن سعادته لكون الخطاب الإسرائيلي تضمن تحركاً إيجابياً بشأن حل الدولتين وانضمت أوروبا إلى الولايات المتحدة وهللت بخطاب نتنياهو بشأن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومن دون سيادة، وأعرب غوردن براون رئيس الوزراء البريطاني عن سروره بأن نتنياهو صادق للمرة الأولى على حل إقامة دولتين وكان خطابه خطوة مهمة إلى الأمام.
ولكن براون وقبله الاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي باراك أوباما لم يوضحوا لنا أين ستقام هذه الدولة؟ وما المساحة التي تشملها وهل هذه الدولة مستقلة وذات سيادة؟ أم إنها خاضعة للاحتلال ولا تتجاوز حدود الحكم الذاتي الذي كان بنيامين نتنياهو نفسه من دعا إلى إقامته، نتنياهو في خطابه لم يضف جديداً عما قاله لأوباما في البيت الأبيض «سلام اقتصادي» مع بقاء الاستيطان وشطب القدس وحق العودة والقبول بإسرائيل دولة يهودية ومع ذلك يشعر الرئيس الأميركي بالسعادة، وعلى هذا يبدو من المسلم به أن اشتراط إسرائيل في أي تقدم للمفاوضات مع الفلسطينيين اعترافهم بإسرائيل دولة يهودية، لم يعد يلقى اعتراضاً من الأميركيين أو من الأوروبيين بل على العكس من ذلك يبدو أن هناك تفهما لهذا الشرط الإسرائيلي على أنه من باب تحصيل الحاصل ولا أدل على ذلك من تصريحات جورج ميتشل التي تشير إلى إسرائيل باعتبارها دولة يهودية ما يعني التسليم بشطب حق العودة وتهجير ما تبقى من فلسطينيي عام 1948.
لا شك أن الموقف الأميركي من إسرائيل يثير الريبة إلا أنه لا ينم عن جدية في التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، بل إن الدور الأميركي الذي تلعبه إدارة أوباما يكشف بشكل واضح عن انحياز مطلق للكيان الصهيوني رغم الكلام المعسول الصادر عن أوباما والذي دغدغ مشاعر البعض في عالمنا العربي.
فهذه الإدارة تريد من العرب أن يدفعوا ثمن الأوهام مقدماً ودون مقابل وعليهم أن يوافقوا على التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني قبل أن يوافق هذا الكيان على أي خطوة تمثل حداً أدنى من التزامه بقرارات الشرعية الدولية التي انطلق على أساسها مؤتمر مدريد للسلام، وبدلاً من أن تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً جدية على إسرائيل للقبول بكل متطلبات السلام والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وإزالة المستوطنات وليس تجميدها، نراها تضغط على العرب لتقديم المزيد من التنازلات تحت ذريعة مساعدة أوباما على إحراج إسرائيل للسير قدماً في عملية السلام. ورغم هذا وذاك ما زال بعض العرب لا يريد أن يصدق أن موقف حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة من القدس والاستيطان نهائي ويراهن على ضغوط أميركية وأوروبية لم تحصل على الكيان الصهيوني، لكي يغير مواقفه كي تنسجم مع مواقف من يريد الضغط عليه.
فالرئيس الأميركي وبغض النظر عن اسمه لا يجرؤ أن يقول لا لإسرائيل ما جعل الدول الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة بمأمن من أي ضغوط داخلية أو خارجية تمس مصالحها وتضطرها إلى مراعاة المصالح العربية، فهذه الدول تراعي من لديه المقدرة على الضرر بمصالحها والعرب عاجزون عن الإضرار بالمصالح الأوروبية والأميركية رغم الإمكانيات الهائلة التي يمتلكونها.