ولقائه الرئيس الأرميني سيرج ساركسيان لبحث العلاقات الثنائية، وضرورات تطويرها ثم الدور الذي يمكن أن تلعبه سورية في حل القضايا العالقة بين أرمينيا وتركيا، وبالجهود المبذولة لإحلال السلام في الشرق الأوسط والقوقاز، ومن ثم الاطلاع على الوضع القائم بين أرمينيا، وأذربيجان قبل زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى أذربيجان المرتقبة.
وبهذا تنكشف آفاق رؤية استراتيجية ينفذها السيد الرئيس من أجل الوصول إلى تحسين العلاقات الإقليمية بين بلدان الجغرافية المتصلة وصولاً إلى وضع سياسي واقتصادي يبلور آليات عمل جديدة، ويخلق فضاءً إقليمياً جيواستراتيجياً تتبدل فيه صورة الحياة والتعاون والمستقبل بما فيه ضمان كبير للمصالح القومية العليا لهذه البلدان ذات الميراث التاريخي الواحد، وذات القواسم المشتركة الكثيرة في عالم فيه اهتزازاته السياسية ومن ثم أزمته الاقتصادية المالية، وأخيراً تحولاته نحو الخروج من عالم القطب الوحيد المهمين، إلى عالم التعددية القطبية المحرر ومن المؤشرات الكبيرة على نجاح زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى جمهورية أرمينيا هو ماصرحته صحف أرمينيا حول دور سورية وتأثيرها الكبيرين ليس في المنطقة وحسب، وإنما في العالمين: العربي والإسلامي، كما نوهت الصحف الأرمينية إلى أهمية العلاقات الإستراتيجية التي تحققت، وتتصاعد عبر هذه الزيارة الناجحة بامتياز- نحو تحسين المناخ في العلاقات الإقليمية ككل، مايشكل جبهة متعاونة تتحقق مصالح حيوية جداً فيها، وتنتهي أوضاع منقسمة لم تعد في شؤون المستقبل للجميع يجب أن تبقى.
ومن الملاحظ أن الوضع الجيواستراتيجي الجديد حين تتحقق آفاقه السياسية والاقتصادية والثقافية سيشكّل المنطقة برؤية المصالح الواحدة في عالم متحول، وسيوحد العمل المشترك بين دول علاقاتها - بالأساس - مغرقة في التاريخ، ومن ثم سيربط البحار الأربعة: قزوين، والأسود، والمتوسط، والخليج العربي في بيئة واحدة تمثل الكتلة القوية إقليمياً والقادرة على الانفتاح على الجوار الآسيوي الممتد، والمتجاذبة مع أوروبا، وإفريقيا بما يهم الأمم المتطلعة نحو غدٍ من العلاقات الدولية السليمة، ونحو استقلال وسيادة واقتصاد مزدهر يحقق الكرامة والعيش بدون تهديد.
وبناء عليه تصبح الجهود السورية الدبلوماسية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد واسعة الدائرة الإقليمية وصاحبة الأدوار التصالحية، والتوحيدية، والبانية لأطر عمل إقليمية، ودولية تُستدرك فيها الأوضاع الحرجة بين أصحاب الجغرافيا، والتاريخ الواحد.
وتستولد أوضاعاً تستجيب لإدارة الأمم التي أوصلها حسن جوارها، وعقيدتها الدينية ، واقتصادها المشترك إلى أحوال في التاريخ كان فيها الخير للجميع، ومن ثم انتهى هذا الزمان حين انتهت معه العوامل المشتركة، ودخلت مسألة تنافر السياسات بديلاً عن وحدة المصالح، والمستقبل للجميع.
وبناء عليه تتسع الآفاق لنقرأ في زيارة السيد الرئيس، ومعها الزيارة المرتقبة إلى أذربيجان سعياً قيادياً فيه تأسيس لفضاء إقليمي واحد، وعالم إقليمي متعاضد يساهم في تنضيد العالم الذي تبحث عنه الأمم وفق نظام متوافق عليه، ومستقبل يسود فيه منطق الحضارات المتكاملة بآفاق الإنسانية المتضامنة.
وفي هذا العالم لا سبيل للصهيونية العنصرية في أي اختراق وعي ، أو سيادة أو قوة لوبي وفي هذا الشأن تتسع دائرة القيادة الحكيمة لكي تنتفع منها أمم كثيرة، وجغرافية قاراتية، وفقراء يتجاوزون المليارين ينتظرون الخروج من تحت خط الفقر.
والحدث الثاني كان استقبال السيد الرئيس بشار الأسد للسيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية والبحث معه في آخر التطورات الجارية على الساحتين: الفلسطينية والعربية وخاصة بعد خطاب نتنياهو والشروط التي وضعها بوجه عملية السلام.
وفي سياق بحثهما أكد الرئيسان على ضرورة توحيد المواقف العربية من أجل مواجهة السياسة الإسرائيلية التي تستمر في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحاول التنصل من استحقاقات عملية السلام، وتضع العراقيل أمام قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.
وفي هذا الاستقبال تناول البحث أيضاً جهود المصالحة الفلسطينية، وأهمية إنهاء حالة الانقسام للوقوف صفاً واحداً بوجه الإجراءات الإسرائيلية المرفوضة على الأراضي العربية المحتلة، وفي نهاية زيارته عبر الرئيس عباس عن تقديره للموقف السوري الداعم لإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية.
وبناء عليه، فالحراك الدبلوماسي لسورية يستهدف تفعيل الجبهتين الإقليمية الداعمة للقضايا العربية العادلة، ومن ثم العربية التي باتت عليها متطلبات مستجدة على ضوء ماكان عليه موقف نتنياهو إزاء المواقف التي أعلن عنها الرئيس الأميركي أوباما خلال زيارته للمنطقة، وإلقاء خطابه الموجه إلى العالم الإسلامي.
ومن الطبيعي أن يدعو الحال الذي يصر عليه رئيس حكومة العدو إلى إرادة عربية مواجهة، وتنسيق عربي أكثر توحيداً للمنهج السياسي المطلوب ،فالعالم الذي سمع خطاب نتنياهو وتوقع ردة الفعل العربية من المفروض أن يرى حقائق سياسية عربية جديدة يتوافق عليها القادة العرب حتى تكون إسرائيل بنظر العالم هي الطرف الوحيد الذي لايسعى إلى سلام، ولايمثل شريكاً فيه.
أما إذا بقي التردد العربي مانعاً من الوصول إلى رد فعل قوي، وبحجم ماصرح به نتنياهو فإن الحقوق العربية ستفقد الكثير من الحماس الدولي لها، وسنعطي العنصرية الصهيونية فرصاً جديدة لكسب الوقت وتوطيد حالة الاستيطان، وعدم الاعتراف بالدولة كاملة السيادة للفلسطينيين، وستضيع القدس، وتنتهي حقوق عودة اللاجئين وفق القرار 194.
ووفق هذا المنظور يواصل السيد الرئيس بشار الأسد مشاوراته مع القادة العرب، ومع الدول ذات الشأن الإقليمي والدولي بخصوص استحضار القوة المدافعة في إجبار إسرائيل على الخضوع لإرادة المجتمع الدولي، وتعزيز إرادة الحل على أساس إعادة الحقوق العربية كاملة غير منقوصة، وقيام دولة فلسطين المتصلة، والقابلة للحياة، وذات السيادة.
وفي هذا السبيل تحدد الدبلوماسية السورية أهدافها الإقليمية، والدولية، وتسعى لتحقيقها بمصداقية، وحكمة، وقوة موقف، وثبات على الأهداف، ولذلك تتسع يوماً بعد يوم جغرافية التأثير، والتجاذب بين سورية والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة في القرارين: الإقليمي والدولي، وتبرز عظمة السياسة في عظمة منفذها.