والتي اتسمت باستخدام القوة المفرطة لقمع المدنيين،الذين جل ما كانوا يطمحون إليه هو إزالة البؤس والحيف عنهم، ولا ريب بأن الكثير ممن استمعوا للخطاب كانت تحدوهم الرغبة والأمل بسماع الرئيس أوباما يقول: إن السلام لن يتحقق في ظل تدمير الحياة المدنية والبنى التحتية في غزة.
على الرغم من التحقيقات المتعددة التي أكدت نتائجها إدانة القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل حيال ما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية في غزة فلم ينشر من نتائجها إلا القليل الذي يدين تلك القيادات، علماً أن من تلك التحقيقات ما قامت به منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة برئاسة ريتشارد غولدستون.
بتاريخ 4 أيار نشرت الأمم المتحدة نتائج التحقيق بالهجمات المنفذة من قبل القوات الإسرائيلية على مبان تابعة لها في غزة. وقد ترأس لجنة التحقيق إيان مارتن رئيس منظمة العفو الدولية الأسبق، حيث انتهت اللجنة بتقريرها إلى اعتبار إسرائيل مسؤولة بشكل كامل عن عمليات القتل والإصابات التي حدثت بطريق الخطأ في مباني الأمم المتحدة، وعن أعمال تدمير لممتلكات تفوق قيمتها 10،000 مليون دولار، لكن التحقيق لم يأخذ باعتباره المسؤولية الجزائية حتى عن الأفعال الخاطئة المرتكبة التي تعتبر بمثابة جرائم خطيرة.
بتاريخ 7 أيار نشرت جامعة الدول العربية تقريراً من 254 أعدته لجنة لتقصي الحقائق للبحث في الانتهاكات الإسرائيلية.
وضمت تلك اللجنة ستة من الخبراء في القانون الدولي والقانون الجزائي والطب القضائي وهم من دول غير عربية، حيث حضرت اللجنة إلى غزة في شهر شباط وتوصلت إلى نتائج مفادها أن القوات المسلحة الإسرائيلية قد ارتكبت جرائم حرب خطيرة تشكل في مضمونها جرائم ضد الإنسانية.
وقد بقيت تلك اللجنة خمسة أيام في غزة أجرت خلالها الكثير من المقابلات مع المتضررين واطلعت على مشاهد الدمار والموت، حيث أصيب أعضاؤها بالصدمة جراء اطلاعهم على أعمال القتل التي كانت تتم بدم بارد للمدنيين في غزة واستخدام الفوسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان وعلى مشاهد الخراب، الأمر الذي يفند الادعاءات الإسرائيلية عندما تقول إن الحرب لم تكن موجهة ضد الشعب الفلسطيني.
ثبت للجنة تقصي الحقائق بأن القوات الإسرائيلية قتلت 1400 فلسطيني، منهم 850 مدنياً وتسببت بجرح 5000 مواطن ودمرت ما يزيد عن ثلاثة آلاف منزل ولم تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية وأرهبت المدنيين ودمرت الممتلكات بشكل غير مبرر وهاجمت المستشفيات وسيارات الإطفاء لذلك انتهت اللجنة للقول: إن عمليات القتل المنظم الواسع وجرح المدنيين وإرهاب السكان يشكل جريمة ضد البشرية جمعاء.
تحرت اللجنة واقع ارتكاب القوات المسلحة الإسرائيلية لأعمال الإبادة الجماعية، وأشارت إلى وجود دلائل حول هذا الأمر إلا أنه لم يثبت لها توفر النية لديها للقضاء على سكان غزة، واعتبرت الهدف من الهجوم هو توجيه العقاب الجماعي الذي يقود بالسكان إلى نوع من الإحباط والاستسلام، لكن اللجنة لم تسقط من حسابها بأن الجنود قد تصرفوا بنية الإبادة الجماعية للمدنيين.
إن تذرع إسرائيل بأن تصرفها كان بمثابة الدفاع عن النفس أمر مرفوض، لأن كافة الأدلة تؤكد أنها كانت تخطط للقيام بهذا الهجوم ولم يكن كما تدعي رداً فورياً على الصواريخ التي يطلقها المسلحون عليها، يضاف إلى ذلك كونها على علم ومعرفة تامين بعدم وجود التكافؤ في القوة بين القوات المسلحة الإسرائيلية والمسلحين.
وتبين للجنة أن التحقيقات التي أجرتها القوات المسلحة الإسرائيلية بشأن ما ارتكبه جنودها كانت غير مقنعة، لأنها لم تجر من قبل لجان مستقلة ولم تسأل اولئك الجنود عما ارتكبوه من جرائم ولم تأخذ باعتبارها ما جرى في غزة على أرض الواقع.
على صعيد آخر، بحثت اللجنة في تصرفات المسلحين الفلسطينيين الذين يطلقون الصواريخ عشوائياً على جنوب إسرائيل، واعتبرت ما يقومون به يشكل جرائم حرب لأنه يطول المدنيين ويتسبب في إرهابهم وقتل وجرح عدد منهم.
حصلت في السنوات العشرين الماضية تطورات مهمة في القانون الدولي فيما يتعلق بالمسؤولية الجرمية لكن إسرائيل لم توقع على الاتفاقية التي تنص على إنشاء المحكمة الجزائية الدولية، لكن الرأي العام الدولي لن يعفيها من المسؤولية عما ارتكبته.
لو أن أوباما تحدث في خطابه عما حصل في غزة لشعر الناس بأن ثمة تغييراً حدث في واشنطن، وقد كان من المسوغ أن يأخذ الأمريكيون بالدلائل والمؤشرات التي أكدت ارتكاب إسرائيل لجرائم خطيرة تقضي بإدانتها ومحاسبتها وعندها ستتغير النظرة إلى الولايات المتحدة بعد أن مضت ثماني سنوات من تجاوزها للقانون الدولي.