و محاولة لامتطاء صهوة السلام، حيث أخفق في خطابه حول عملية السلام في بناء طرح مقاربة مقبولة بشأن سياسات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، حيث يقيم نحو 300 ألف مستوطن.
وهذا يعني أن مساحة الدولة الفلسطينية التي تحدث عنها نتنياهو سوف تتقلص باستمرار كي تتسع لأعداد المستوطنين المتنامية في قلب أراضيها، مايعني أن هذه الدولة التي تحدث عنها نتنياهو ستكون عبارة عن تجميع لعدد من الكانتونات المتناثرة المنفصلة عن بعضها البعض.
إن نتنياهو الذي حرص على دعم النشاط الاستيطاني على حساب الفلسطينيين، إنما أراد تجنب مواجهة مع القوى الأكثر تطرفاً في حكومته الحالية، ورغم ذلك طالب نتنياهو السلطة الفلسطينية بقبول دولة فلسطينية بمواصفات يستحيل على أي فلسطيني قبولها، فهو يريد هذه الدولة منزوعة السلاح وبلا جيش وطني، لكن الغريب أنه طالب السلطة الفلسطينية رغم ذلك بإخضاع حركة حماس لنفوذها، معتبراً ذلك شرطاً أساسياً للتفاوض مع الفلسطينيين، وهو الهدف الذي عجزت عنه إسرائيل نفسها رغم جيشها المدجج بالسلاح والجيد التدريب كما يقول زميلي المحلل السياسي لدى (أميركان بروسبيكت) جيرشوم جورنبرج.
إن رفض نتنياهو معالجة مشكلة التوسع الاستيطاني ربما مرده أنه يهييء نفسه لمواجهة ليست مع منتقدي سياسات اسرائيل فحسب، إنما مع مؤيدي اسرائيل ومناصريها الثابتين أيضاً، فإلى جانب إدارة أوباما، هناك أعضاء الكونغرس الديمقراطيون الذين طالما دافعوا عن المصالح الإسرائيلية، وهناك أغلبية يهودية واضحة، باتت ترى في توسع المستوطنات عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وتعتبر ذلك تهديداً جدياً لمصالح إسرائيل البعيدة المدى، بل مهدداً لبقائها.
ويرد جاري أكرمان النائب الديمقراطي على حجج إسرائيل بأن توسع المستوطنات نتيجة طبيعية لنمو الكثافة السكانية للإسرائيليين، بالقول إن الكثافة السكانية ليست مبرراً لتوسع المستوطنات، فالمبدأ الذي يحكم طرفي النزاع هو أنه لايجوز لأي منهما توسيع حدوده على حساب الطرف الثاني، أو الاعتداء عليه، ولذلك فإن على إسرائيل أن تكف عن هذه الحجج والمبررات التي لا معنى لها.
ومايزيد من عزم إدارة أوباما والكونغرس المؤيد لها على مواصلة الضغط على إسرائيل والفلسطينيين على حد سواء من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع، هو وجود أغلبية واضحة تدعم هذا الاتجاه بين أوساط اليهود الأميركيين، فقد أشارت نتائج استطلاع لرأي اليهود الأميركيين أجري في شهر آذار الماضي لمصلحة منظمة «جي ستريت» وهي منظمة لليهود الأميركيين تدعم الاتفاق الحدودي بين اسرائيل والفلسطينيين، إلى أن 72 بالمئة من اليهود الأميركيين يؤيدون الضغوط التي تمارسها إدارة أوباما على إسرائيل والفلسطينيين بشأن التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع، بل إن مايثير الاهتمام حقاً هو تأييد نسبة 57 في المئة منهم للضغوط التي تمارسها الإدارة على إسرائيل كما أظهرت نتائج الاستطلاع نفسه معارضة حوالي 60 بالمئة لتوسع المستوطنات الإسرائيلية.
وتعكس هذه النتائج تحولاً واضحاً في فكر اليهود ومواقفهم التي طالما تشكلت خلال العقود الماضية وتصلبت في تأييدها الأعمى المطلق لإسرائيل، وبصورة عامة يمكن القول الآن إن اعتبار اليهود الأميركيين آلياً كمؤيدين لإسرائيل بدأ بالتراجع منذ بضع سنوات، بل يصح القول إن عدد اليهود الأميركيين الذين يحثون الحكومة الأميركية على ممارسة ضغوط على إسرائيل ودفعها للموافقة على حل الدولتين بدأ يتزايد خلال العقدين الماضيين، ويمثل هذا التيار قوة موازية لمنظمة «إيباك» اليمينية المتطرفة التي تشتهر بضغوطها على واشنطن لتلبية كل ما تطلبه تل أبيب وتنشط منذ ثلاث سنوات منظمة «جي ستريت» في جمع التبرعات لدعم أعضاء الكونغرس الذين يؤيدون السياسات الأميركية الرامية إلى حل الدولتين، تماماً، مثلما تنشط منظمة «إيباك» المتطرفة في جمع الأموال والتبرعات لدعم الحملات الانتخابية لمرشحي الكونغرس الذين يؤيدون المواقف والتشريعات المناهضة للتسوية السلمية للنزاع.
وإذا حاولنا معرفة الأسباب الكامنة وراء تراجع دعم اليهود الأميركيين المطلق لإسرائيل خلال العقدين الأخيرين يمكن القول إن ذلك يعود إلى مواصلة إسرائيل احتلالها وحكمها للفلسطينيين خلال العقود الأربعة الماضية بعد العقود الستة التي تلت قيامها باعتبارهم مواطنين بلا هوية وبلا وطن، حيث إنهم لاينتمون لدولة إسرائيل، في الوقت الذي لم تتح لهم فرصة لتأسيس دولتهم المستقلة، وفوق ذلك فقد أسهمت وحشية إسرائيل وقسوة معاملتها للفلسطينيين خلال العقود الأخيرة في انحسار دعم اليهود الأميركيين لها.
يضاف إلى ذلك أن اليهود الأميركيين يؤمنون بالقيم الليبرالية وبحقوق الأقليات على نطاق العالم بأسره، وكان سبب تأييدهم المطلق لإسرائيل في السابق يرجع لاعتقادهم أنها دولة ناشئة من رماد الهولوكست وجحيمه، لكنهم وبعد أن رأوا خلال العقدين الماضيين كيف حولت اسرائيل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، فقد تعاظمت شكوكهم ولم يعودوا يؤيدون كل ما يصدر عنها من أفعال وسياسات مثلما كان حالهم قبل ثلاثة أو أربعة عقود.