في بلدنا لاتتجاوز عدة آلاف (رغم أن الكثير منهم لايطلب المساعدة وهؤلاء لانعرف أعدادهم بالضبط)، لكننا ننسى دوماً أن مشكلة الإدمان تطول عائلات الأشخاص المدمنين أيضاً من أبوين وإخوة وأزواج وأولاد وأقارب.. فعندما يدخل بيوتهم يحول هدوءه إلى صراخ وأفراحه إلى أحزان لا تتوقف فهي تصيب الأمم في أعز ماتملك وهم الشباب فهو ليس قاصراً على النفس والمال فحسب لكنه وباء يسطو على الأخلاق فيفسدها وعلى الكرامة فيسحقها وعلى الإرادة فيسلبها؟!
لكن على أرض الواقع هناك عمل دؤوب تقوم به وزارة الصحة عن طريق المرصد الوطني لرعاية الشباب الذي يقدم الخدمات العلاجية والرعاية الصحية المجانية لمرضى الإدمان والأمراض النفسية وبحسب مركز الإحصاء في المرصد الوطني لرعاية الشباب لعام 2008، فإن العدد الكلي 1018 حالة، 999 من الرجال و19 من النساء موزعين حسب نوع الاعتمادات فالهيروئين 688 حالة، دوائي 197، كحولي 111، كوكائين 19، حشيش 2، مستنشقات1.
أما عن عدد مراجعي العيادة الخارجية للإدمان فقد وصل إلى 2401 حالة إدمان أما إحصائية 2009 وحتى نهاية الشهر الرابع فإن عدد القبولات وصل إلى 363 حالة منها 358 ذكوراً و5 إناث أما نوع الاعتمادات فالهيروئين 229 حالة، الدوائي 86، كحولي 43، كوكائين 4، مستنشقات1، وبهذا يكون عدد مراجعي الإدمان 788.
أقسام المرصد
أما عمّا يحتويه المرصد من أقسام فهناك قسم العيادة الخارجية وتضم العيادة الطبية والاجتماعية والإرشاد النفسي و يلحق بالعيادة كل من المخبر والصيدلية.
القسم الداخلي شعبة المعالجة ويتألف من جناحين رجال ونساء ويتسع نحو 30 سريراً و29 ضمن الخدمة الفعلية، وتتضمن الشعبة الخدمات التالية: خدمة الرعاية الطبية والتمريض بالإضافة إلى تقديم الأدوية اللازمة للمرضى خلال فترة الإقامة والتي تمتد أسبوعين تقريباً.
كذلك خدمة المعالجة الفيزيائية، خدمة البحث الاجتماعي والإحصاء، خدمة الإرشاد النفسي، خدمة المطبخ والغسيل وهناك قاعة تلفزيون وحديقة داخلية للمرضى داخل الشعبة.
شروط القبول
وعن شروط القبول يقبل المريض بناء على وثيقة هويته الشخصية أي عن طريق العيادة الخارجية في المرصد و أثناء الدوام حصرياً وبالتالي التوقيع على التعهد المرافق للأوراق الرسمية أثناء القبول والالتزام به بشكل كامل، ومن ثم يتم الالتزام بالزيارة المحددة اليومية أصولاً وذلك من الساعة 12-1 لأقربائه من الدرجة الأولى فقط مع إحضار إثبات شخصية.
شخصية المهيئين للاعتماد
وعن السمات التي تتصف بها شخصية المهيئين للاعتماد التقينا الباحثة والاختصاصية الاجتماعية إليسار علي فندي التي أكدت أنه عادة ما تتصف شخصية المهيأ للاعتماد على المواد هي الحاجة للإرضاء الآني ونقص القدرة على ضبط الدوافع وعدم الصبر والعدوانية والسعي نحو تجارب الإثارة والمغامرة والانقياد خلف الآخر وانخفاض مستوى الفرد لذاته والمشاعر الاكتئابية.
ومتى يمكننا أن نقول: إن الشخص بات في حالة إدمان؟ تضيف فندي لابد من توافر ثلاث صفات على الأقل من الصفات التالية حتى نقول إنه أصبح مدمناً:
- تناول الفرد المادة لفترة أعظم وأطول مما قصد تناوله.
- الرغبة الملحة القهرية في التناول أو محاولات فاشلة للسيطرة على التناول.
- صرف فترات طويلة من الزمن للحصول على المادة أولتناول المادة أو الشفاء من تأثيرها.
- تخلي الفرد عن نشاطاته الوظيفية أو الاجتماعية أوالترفيهية بسبب استعمال المادة.
- التناول المستمر للمادة
رغم معرفة الفرد أنه يعاني من مشكلات بسبب استعمالها.
وفيما يخص أسباب انتكاسة المريض بعد تعافيه من المادة أشارت إلى محاور ثلاثة:
- وجود إحساس بالاكتئاب أو الإحباط أو القلق.
- تعرض المريض لصراعات وضغوط في العمل والأسرة.
- لقاء المريض لأصدقاء السوء أو أحد المروجين للمادة.
يبقى أسبوعين
وعن آلية العلاج في المرصد الوطني الدكتورة أمل شكو اختصاصية نفسية أوضحت أن المريض يقبل بناء على رغبته الخاصة ويبقى أسبوعين تقريباً ليتلقى العلاج المناسب لأعراض السحب التي تظهربعد عدة ساعات من تعاطي المادة المخدرة وتشمل القلق وسرعة الاستثارة والأرق واضطراب النوم والغثيان والإقياء والآلام الهيكلية.
كما يستخدم في العلاج مركبات البنزودياز بينات ومضادات الاختلاج ومضادات الالتهاب غير الستروئيدية والعلاج النفسي على يد اختصاصي نفسي وباحثات اجتماعيات يوجهن النصائج للمريض ليبتعد عن البيئة السيئة التي دفعته للإدمان.
وبدورها أشارت الباحثة فندي للعلاج وذلك من خلال عدة مستويات من فريق المعالجة بتعدد التخصصات فيكون فيه الطبيب النفسي والاختصاصي النفسي والاجتماعي والمعالج الفيزيائي وهذا مايتوفر في المرصد الوطني لرعاية الشباب بشكل عام، وبالتالي تعليم المريض على كيفية التعرف على المواقف التي تقربه من الإدمان ليستعمل مهاراته الخاصة لمواجهتها ومن أساليب الوقاية أضافت د. شكو أيضاً تنمية القيم الدينية والأخلاقية في الشباب وتفعيل دور القانون والشرطة لملاحقة تجار المخدرات.
عواقب اعتماد الإدمان
وإذا كان القول المعروف الوقاية أفضل من العلاج صحياً طبياً في كل شيء فهو أكثر ماينطبق على المخدرات نظراً لصعوبة علاج الاعتماد عليها والتكلفة المادية والمعاناة الجسدية المرافقة لهذا العلاج، فعن عواقب اعتماد الإدمان فند الدكتور ثائر حيدر هذه العواقب التي أفرزها إلى ثلاث وهي:
عواقب جسدية كون المخدرات تؤثر في العقل ووظائفه الأساسية كالذاكرة والذكاء والتركيز وتؤثر على أعضاء الجسد الأخرى وإمكانية انتقال عدوى الإيدز وإلتهابات الكبد المميتة نتيجة الحقن الملوثة التي يتناولها المدمنون فيما بينهم.
عواقب نفسية كالاكتئاب والقلق الدائم والأرق ونقص الشهية والوزن ومحاولات إيذاء الآخرين ومحاولات الانتحار وإمكانية حدوث أعراض نهائية كالأهلاسات اللمسية والسمعية والبصرية والتوهمات الاضطهادية والدونية.
عواقب اجتماعية ومادية لأن متعاطي المخدرات يصرف وقته في تأمين وتناول المادة فيعتزل الآخرين ويترك عمله ويصبح عنيفاً مع عائلته ويدخل في مشاجرات واعتداءات و الكثير منهم قد يدخل السجن أو يضطر لبيع ممتلكاته أو اللجوء للسرقة أو أمور غير أخلاقية وكل ذلك بهدف الحصول على المال اللازم لشراء المخدرات.
البداية بالمهدئات
وفي سؤالنا للدكتور حيدر فيما يتعلق بكيفية تعاطي الإدمان هل هو شكل تدريجي يتعاطاه أم بشكل مباشر؟ كل مدمني المخدرات لم يبدؤوا مباشرة بتعاطي الهيروئين وغيره من المخدرات بل كانت البداية بالمهدئات من مشابهات الديازيبام الكاليويم أوالمسكنات المركزية الحاوية على مشتقات موزفينية مثل البروكسيمول أوحتى بعض أشربة السعال كون المادة السابقة تعطي تأثيرات مضادة للقلق والتوتر والأرق فيرتاح الشخص بتناولها لكن هذا الأمر يزول بعد فترة زمنية مما يدفع المريض لزيادة الكميات المتناولة من هذه الحبوب وهومايسمى طبياً بظاهرة التحمل حتى يصل لمرحلة تعاطي المواد الأقوى والأكثر تأثيراً وهي المخدرات.
نصائح وإرشادات
وأشار اختصاصي الإدمان إلى مجموعة من النصائح لفئتين من الناس وهما الأهل والأطباء فبالنسبة للفئة الأولى عليهم توعية أولادهم بعدم تناول أي أدوية أو حبوب تعطى لهم من زملائهم أو غيرهم لأنه قد يكون في المرحلة المهيئة للإدمان وعليهم مراقبة أي تصرفات مثيرة للشك تدل على حدوث الاعتماد كصرف المال بكميات كبيرة والغياب عن المنزل فترات طويلة و نقص شهية ووزن المراهق وسرعة النرفزة والعصبية لأقل مشكلة.
وأما الفئة الثانية للزملاء الأطباء و القول للدكتور حيدر يفضل عندما يصفون مهدئات أومسكنات مورفينية لمرضاهم لأي سبب كان أن تكون الوصفة لفترة محددة وألا يتم تجديدها إن زالت الأسباب المعطاة من أجلها هذه الأدوية والانتباه إلى أن بعض المرضى قد يقولون إن آلامهم مازالت مستمرة ولم تتحسن رغبة منهم في استمرار تناول هذه المهدئات والمسكنات.
علاج صعب لكنه ممكن
أخيراً يجب اطمئنان المدمنين أن علاجهم صعب لكنه ممكن وأنه يتم بسرية تامة من قبل الطبيب النفسي مهما كان المكان الذي يتم فيه هذا العلاج وأنه مهما كانت المعاناة الجسدية والنفسية التي سيتعرض لها المدمن في الأيام الأولى لعلاجه فإنها تبقى أقصر زمناً ما سيحدث له ولعائلته ولكرامته وسمعته وعمله ودراسته وماله لو أنه اختار الاستمرار بالتعاطي، لذلك علينا أن نتذكر أن جميع أولئك الأشخاص المعتمدين على المخدرات، لهم نفس الحقوق الممنوحة لسواهم، ويجب ألا يحدث أي تمييز ضدهم بسبب وضعهم، كما للمدمن وضع آخر في ظل القانون حيث حماه المشرع، شريطة أن يقوم بتسليم نفسه طوعاً إلى مركز المعالجة الصحي المتخصص لهذه الغاية.