فخلال قيام كاميرات تلفزيونية بنقل مشهد ترديد عدد من المسؤولين اليهود للنشيد الاسرائيلي في مراسم وداع القاضي الأول ((دوريت بيتش)) في المحكمة الاسرائيلية العليا على الشاشة تلك تبين أن هناك شخصاً لم يشارك في هذا الترديد يدعى سليم جبران وهو قاضٍ عربي فلسطيني يتمتع بمكانته الاعتبارية ومقعد دائم في المحكمة المذكورة وقد وجد عدد من المسؤولين الاسرائيليين في رفض سليم ترديد النشيد الرسمي الاسرائيلي اهانة لا يمكن القبول بها لان هذا التحقير محمل باستهزاء وسخرية من رموز الدولة العبرية. فقد صرح ميشيل بن اري وهو عضو في اتحاد جناح الأحزاب اليمينية المتطرفة على هامش هذا الحدث قائلاً: «كل اسرائيلي ملتزم بترديد هذا النشيد وخاصةً بالنسبة للذين يشغلون مراكز بارزة في المناصب الحكومية الاسرائيلية ثم أضاف في الواقع لم يتردد سليم جبران في الحط من قدر مراسم دولتنا حتى ظهر وكأنه يبصق في وجه اسرائيل فهناك اسرائيليون يطالبون الحصول على حقوقهم في مواقع حكومية لكنهم يحتقرون بغطرسة وعجرفة التزاماتهم تجاه دولتنا هذه».
من هنا انطلقت الأصوات والنداءات الاسرائيلية المطالبة طرد القاضي سليم جبران من مقر عمله في المحكمة ليتبع ذلك إقدام ميشيل بن اري على رفع مذكرة الى الكنيست الاسرائيلي يحظر فيها على اي انسان العمل في المحكمة الإسرائيلية العليا دون الانتهاء من تأديته الخدمة العسكرية ضمن صفوف القوات الاسرائيلية ويشمل هذا الشرط الغالبية العظمى ما يدعون بالعرب الاسرائيليين لكن تلك المذكرة تم رفضها مؤخراً .
هذا ولم تعد مفاجأة رفض سليم جبران ترديد النشيد الرسمي الاسرائيلي تثير هذا الجدل اليوم فعلى امتداد عقود مضت شكل فلسطينيو عام 1948 العرب الذين حصلوا على الهوية الاسرائيلية خمس سكان إسرائيل لذلك صرحت حنينة زوابي الشخصية السياسية الفلسطينية المعروفة في حزب « البلد « قائلة: هذا النشيد لا يمثلنا بل على العكس يكرس مشاعر تجعلنا نعتقد انه لم يكن هناك شعب فلسطيني يعيش ويقيم فوق تلك الارض ارضنا قبل عام 1948 وكأن ولادة هذا الكيان الاسرائيلي لم تر النور الا على حساب الفلسطينيين»
هذا بينما لا تواجه الغالبية العظمى من عرب اسرائيل قرار الزامها بترديد نشيد الدولة العبرية فهناك مجموعة أخرى من الفلسطينيين ترى أن الامر لا يتعلق بها بالنسبة للنشيد المذكور لان كلمات هذا النشيد تتحدث عن الصهيونية والعودة الى ارض الميعاد لذلك تتجاهل نسبة 20% من العرب الفلسطينيين المقيمين داخل أرض 48 هذا الموضوع رغم أن تلك النسبة تعاني من تمييز عنصري يمارسه الاسرائيليون ضدها الى جانب تهميش المجتمع العربي الفلسطيني الذي لايزال يقيم فوق أرضه داخل إسرائيل وتتميز الخدمات على سبيل المثال التي تقدمها البلديات داخل أراضي 48 حيث يتمركز العرب الفلسطينيون بشكل كثيف بالتخلف ولا يمكن مقارنتها بنظيراتها المعمول بها داخل مناطق يتمركز فيها اليهود هذا الى جانب معاناة هؤلاء العرب من نقص في الكوادر التعليمية وتراجع الفصول الدراسية بشكل مستمر والافتقار الى فرص عمل للفلسطينيين .
وينظر عدد من الاسرائيليين إلى الاقلية العربية الفلسطينية داخل أراضي 48 على أنها تنتمي الى طابور خامس لا يكن اي وفاء او اخلاص لإسرائيل ولا لأي من رموزها فقد وجهت انتقادا وتهمأ بالخيانة لأجرأ المتحدثين باسم (عرب اسرائيل) السيدة حنينة زوابي عندما شاركت تلك المتحدثة في مسيرة مؤيدة للحقوق الفلسطينية وكانت خلالها حنينة على مقربة من أسطول الحرية الذي كان يبحر آنذاك متوجها إلى قطاع غزة وقد سحبت الحكومة الاسرائيلية على أثرها كافة الامتيازات البرلمانية التي تتمتع بها تلك المتحدثة اليوم.
كذلك تبنى عدد من رجال السياسة اليهود الاسرائيليين المتطرفين تشريعاً يحول دون خروج الفلسطينيين عن طوع بنان الاسرائيليين ويشمل في بنوده قسم الولاء للدولة العبرية ومشروع قانون يحظر أحياء ذكرى عام النكبة عندما تم تهجير قرابة 700,000 فلسطيني من منازلهم لتسهيل اقامة الدولة العبرية فوق اراضيهم عام 1948.
ويكتب «جدعون ليفي» فوق احد أعمدة صحيفة هآرتس قائلاً: إن الديمقراطية الاسرائيلية رقيقة وهشة كالورق وقد وضعنا رفض سليم جبران ترديد النشيد الاسرائيلي على المحك ليظهر فشل الديمقراطية الاسرائيلية إلى حد يثير الشفقة لذلك يجب على خمس الفلسطينيين المقيميين فوق الاراضي الاسرائيلية من العرب ان يعبروا عن امتنانهم لهذا القاضي الذي نطق بلسانهم « ويعلق وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي « موشي يعلون» على هذا الموضوع قائلا لست أدري ما هو الهدف من وراء الاصرار على سماع ترديد عرب اسرائيل كلمات تعبر عن رثاء اليهود لتاريخهم ثم يضيف يعلون أرى أن الهجوم الذي شن على سليم جبران أمر مستغرب وغير ضروري لأنه يروج للسمعة السيئة للتمييز العنصري الذي تمارسه اسرائيل بحق الفلسطينيين .
كما يطالب عدد من المسؤولين اليهود في الاحزاب الاسرائيلية الاخرى بتغيير كلمات النشيد الاسرائيلي على الاقل من خلال استبدال عبارة «الروح اليهودية» «بالروح الاسرائيلية» إلا أنه رغم ذلك سيظل هناك من يطالب باستبعاد الفلسطينيين عن ترديد هذا النشيد لأنه يتحدث عن ماضي اليهود ليس إلا.
هذا في حين ذهب عدد من المسؤولين الاسرائيليين في تلك الاحزاب الحاكمة إلى أبعد من ذلك من خلال مطالبتهم بإعادة كتابة النشيد الاسرائيلي الرسمي ليشمل جميع شرائع الشارع اليهودي في إسرائيل كي تتمكن كلماته من الاسهام في صياغة هوية اسرائيلية حديثة تواكب هذا العصر.
ولتختم كاتبة هذا النص كاترينا ستيوارت مقالتها بذكر ما أفاد به « يوري افنيري» المسؤول البارز في جناح الاحزاب اليمينية الاسرائيلية اذ لم تعمد الحكومة الاسرائيلية لبذل مزيد من المساعي والجهود ليشعر مواطنو 1948 من الفلسطينيين انهم يتساوون في الحقوق والواجبات مع اندادهم الإسرائيليين فإن الاوضاع تتجه نحو الانفجار داخل إسرائيل وطالما تتم معاملة هؤلاء العرب كحصان طروادة لماذا يتعين عليهم ترديد النشيد الرسمي الاسرائيلي المذكور فالأحصنة لا تستطيع التفوق في فنون الانشاد؟
بقلم: «كاترينا ستيوارت»