وتجلت في عناوين الصحافة المكتوبة : منها صحيفة لومانيته التي عنونت : « خروج بريطانيا من الاتحاد زلزال بالنسبة لأوروبا وللعالم إنه سقطة في المجهول يحمل صفعة مرعبة للمشروع الأوروبي » , أيضاً في صحيفة لوفيغارو : « انفصال بريطانيا يقسم الطبقة السياسية الفرنسية ومسؤولو الأحزاب الشعبية يطالبون باستفتاء مشابه » وفي صحيفة لوموند : « يوم خروج بريطانيا من الاتحاد رعب في الأسواق وقلق عند السياسيين».
وقد كتب المؤرخ البريطاني جون لوفلاند يقول:كما قاد سقوط جدار برلين الى انهيار معاهدة فرصوفيا سيقود خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الى انهياره , لقد كان التصويت لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي حدثاُ له دلالة تاريخية كبرى لا يحدث إلا مرة واحدة عبر جيل فهو شبيه بأهمية سقوط جدار برلين ليلة 9 تشرين الثاني عام 1989 ففي كلا الحالتين كانت الشعوب ذات حركة هادئة وطبيعية حين وجهت الضربة القاضية الى نظام سياسي يحتضر ولأجل مسمى فإن الاتحاد الأوروبي سينهار تماماً وغالباً فإن التحولات الكبرى عبر التاريخ تحدث بشكل طارئ .
لقد كانت تلك حالة سقوط جدار برلين يوم انقض أهل برلين الشرقية على نقطة تفتيش تشارلي , وكان من الممكن تجنب خروج بريطانيا من الاتحاد لو أن القادة الأوروبيين تصرفوا بشكل آخر حيث كان ديفيد كاميرون قد وجه عدداً من الطلبات المتواضعة لزملائه الأوروبيين ولو أن هؤلاء قدروا مدى أزمة الثقة التي يمرون بها _ في بريطانيا كما في بقية بلدان الاتحاد _ لكانوا كرسوا جهوداً كبرى لإر ضائه وللتفكير بالاصلاحات في الاتحاد بكامله وهذا لم يكن بالأمر الصعب غير أن أي إصلاح للمؤسسات الأوروبية بدا مستحيلاً والآن فإن انهيار الاتحاد الأوروبي يبدو حتمياً لأن التصويت لصالح خروج انكلترا يدل على أن الدول المتغطرسة ترفض الزوال لكن في الواقع يجب فهم هذا التصويت على أنه انتفاضة شعبية في وجه تهديد وجودي والهروب الى الأمام الذي مارسته حكومات متعاقبة كحكومة حزب العمال في ظل طوني بلير والمحافظين في ظل ديفيد كاميرون ونحو هجرة غير محدودة .
كل هذا أدى الى تغيير المجتمع البريطاني بشكل جذري فلندن لم تعد مدينة انكليزية منذ زمن طويل لأنه وبحسب إحصاءات رسمية أخيرة فإن البريطانيين البيض هم الأقلية ضمن اقتصاد تنافسي وسوق عمل كهذا , لقد استقطبت بريطانيا من جميع أنحاء العالم لكن وصول أكثر من مليوني بولوني منذ العام 2004 وغيرهم من أوروبا الشرقية كان النقطة التي طفحت بالكيل وأصبحت موجة تجازف بإغراق الشعب البريطاني .
إن مبدأ حرية حركة الأشخاص والخدمات والثروات هي في أساس المشروع الأوروبي وهاهم البريطانيون يبرهنون أن هذا المشروع غير مقبول لديهم كما أن التصلب والجمود متجذر في عقول القادة الأوروبيين المقتنعين بأنهم أصحاب مشروع حضاري لا سابق له وحقيقة فإن هذا الخروج سيقلب التركيبة السياسية لأوروبا لأن عدة بلدان أوروبية تعيش في الأساس حالة هيجان مما سيعطي الأمل الكبير لها فلمن سيكون الدور القادم لفرنسا أم لهولندا أم النمسا , ما حصل يستوجب من قادتنا أن يستقوا العبر .
أما رومانو برودي ( رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي سابقاً) فقد عبر عن رأيه بالقول : لقد بنيت أوروبا على عجل ونظام المجموعة لا يعمل جيداً والآن نجد أنفسنا في وضع كهذا أعتقد أنه سيكون درساً لأوروبا , لقد استخدم ديفيد كاميرون وجود المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي كأداة شخصية لسياسته الداخلية فماذا نستطيع أن نفعل ؟
دونالد توسك رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي قال : هذا المرض سيمتد ببطء مالم نطور سياسة أوروبية جديدة , إن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق ألمانيا البلد الذي له الدور الأكبر لكنه لا يتحمل مسؤولياته وأعتقد أن قرار بريطانيا هو جرس إنذار خطير سيسمعه جميع قادة أوروبا .
هذا و قد أصدرت لجنة فالميه (ثلة من السياسيين و المثقفين الفرنسيين ) بيانا جاء فيه : لقد قرر شعب المملكة المتحدة و بالأخص الطبقة العاملة الانكليزية من بلاد الغال مغادرة الاتحاد الأوروبي « سجن الشعوب » و على اثر حملة ضد اقرار معاهدة ماستريخت فان لجنة فالميه تقاوم منذ 25 عاما الاندماج الأوروبي متخطي الحدود ذلك لأنه تحول بالتدريج الى كيان مستبد و بالوقت ذاته مضاد للأمة و خصم للأنظمة العمالية رافضا سيادة الشعوب زعما منه أنه يسير في اتجاه واحد .
ان لجنة فالميه تعبر عن رضاها الواسع حيال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و على عكس ما أكده وزير الخارجية الألماني فان هذا الخروج لا يشكل يوما حزينا لأوروبا و للمملكة المتحدة بل انه يوم فرحة بالنسبة للشعوب الكادحة في مجموعة الدول الأوروبية لأن أحد هؤلاء استطاع أن يختار الحرية و من المنتظر أن ذوي النفوذ المالي ( يورو- أطلسي ) و ( الألماني – أمريكي ) الذين يسيطرون على الحكومات التابعة من الاتحاد الأوروبي سيحاولون اضعاف هذا الانتصار للشعب البريطاني كما حصل في فرنسا بعد أن صوت الفرنسيون على رفض الدستور الأوروبي عام 2005 بيد أنه من الواضح أكثر أن الوعي يكبر في كل مكان من أوروبا عندما يتعلق الأمر بضرورة استعادة السيادة الوطنية و الشعبية ويشير النموذج البريطاني الى أن نسبة القوى تزداد لصالح الشعوب و أن هذه التجربة دليل على امكانية رفض الخضوع لديكتاتورية اليورو و يتابع البيان : نقول انه من الضروري استطلاع آراء الشعوب الأوروبية الأخرى حيال السياسيين الأوروبيين المحترفين الذين أعلنوا ارادتهم بالهروب الى الأمام في تخطي الحدود و البيروقراطية في أوروربا الفيدرالية .
نحن نطالب بالسيادة الشعبية و الاستقلال الوطني و الديمقراطية في بلدنا و أن يكون لفرنسا رؤية استراتيجية جمهورية تقدمية تستوحي من فكر و حشد المقاومة الفرنسية في الماضي .