تتابع بانورامي
ونستشف في لوحاتها الواقعية، ايقاعات التناسب في صياغة تفاصيل الشكل وموسيقا الظل والنور، والمساحات اللونية الصافية في الخلفيات، وهذه النواحي التقنية تبرز عبر مزاولتها اليومية للرسم الواقعي.
وتتجه غادة حداد في أكثر لوحاتها نحو رسم الموضوع الواحد أو الموديل الواحد (الذي يتكرر بطريقة بانورامية تنقل تبدلات التعبير في لحظات متقاربة او متباعدة) مستخدمة في لوحاتها علاقات جمالية وتعبيرية يربطها نمط تصويري واحد، بعيد كل البعد عن اللمسات العفوية القادمة من تأملات فنون ما بعد الانطباعية والنيوانطباعية في مدرسة باريس.
وهي قادرة بخبرتها في مجال الرسم الواقعي الدقيق، على ترويض وتكييف الموضوعات الانسانية. وهذا يعني انها تطلق العنان لشاعريتها وعقلانيتها اللتين تركتا بصمات واضحة على لوحاتها، فظهر عندها الأداء الواقعي المعبر عن الفكرة التي تريد ايصالها للناس عبر لوحاتها وبانورامياتها البعيدة عن الصخب والصراخ والانفعال اللوني.
كل ذلك يحيل الشكل المرسوم، إلى إيقاعات لونية هادئة تستعرض الخطوط وامكنة الضوء وتفرض على اللوحة اتجاهاً تشكيليا محدداً ومتقارباً مع معطيات الواقع المرئي الموجود في الأبعاد الثلاثة.
فكرة اللوحة أو البانوراما
وفي ممارستها الفنية اليومية ترفض غادة حداد، الانصياع للعبث اللوني والتشكيلي الموجود في اغلب المعارض، وبذلك تطرح الموضوع كقضية جمالية تتجاوز معطيات الصياغة الارتجالية، بهدف الوصول إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس الإنسانية وتبدلاتها الواقعة بين طرفي نقيض, وهذا يعطيها المزيد من الدراية والتأني في خطوات معالجة الموضوع وتحريك اللون وصياغة الخطوط، والكشف الصريح عن الأحاسيس الداخلية, في المظهرين التكويني والتلويني، حيث تبقى محافظة في كل الحالات على نمط معين من الأداء التصويري.
فهي وان كانت تذهب إلى لونية مفرطة في داخليتها وحستها عبر تكوينات خطية وايقاعات مدروسة وعقلانية, إلا انها تقدم في النهاية لوحة قائمة على فكرة، وعلى هذا الاساس تبرز كرسامة فكرة بامتياز، لأن جل ماتبحث عنه يكمن في التقاط تعابير الوجوه والعيون في لحظات متبدلة ومتغيرة.
وهذا يعني أنها تؤكد رغبتها في البقاء ضمن حدود الأشكال والواقع، وعدم الانجراف بالموجة التعبيرية أوالتجريدية وسواهما, فهي مهما انفعلت تبقى على صلة بإشارات الموضوع أو الموديل، وعناصره الحية، التي تقيم علاقة بين الداخل والخارج، لأن تعابير الوجوه ماهي في النهاية الا انعكاس لميلودراما الخارج المشحون بالقلق والترقب والألم وانتظار الولادة الجديدة.
وإذا كانت اللونية العامة تتجه إلى تكريس الوان محددة، فهذا لا يعني اننا لا نستطيع ملاحظة تلك الدراية والحساسية في معالجة تباينات اللون الواحد وتركيبه وحركته، التي تطغى عليه درجات اللون الواحد احياناً كالرمادي، داخل إطار اللوحة، بل أكثر من ذلك تضيف إلى هذه الدرامية ألوانا متوهجة تصل حدود البياض اللوني, ودرجاتهما المتداخلة.
واللوحة هنا تفسر إحساسها, فإما أن تكون هادئة أثناء انجاز اللوحة, فتأتي حسب إحساسها الداخلي ملطفة ومحققة عناصر الواقعية، وإما أن تكون عكس ذلك في لوحات أخرى فتكون ألوانها وخطوطها أقل عقلانية, وهذا يعني انها تدرس المساحات اللونية والأشكال والمادة التي تعمل عليها بعناية مركزة للوصول إلى درجة من التوازن التكويني والتشكيل اللوني المحدد. انه انعكاس درجات اللون الواحد على ذاتها, ولهذا نجدها تبحث بشكل يومي عن الانسجام المركب من الحركة واللون, داخل مساحة اللوحة.
facebook.com/adib.makhzoum