لا يعنيها البحر بشيء ولا الشاغلين فيه، الراكبين لأخطار أمواجه، فلا أحد مُهتمّ بهذا الموضوع، والمدينة خالية من أي مظهر يشير إلى احتفالٍ أو لفت انتباه إلى هذه الشريحة من الناس الشجعان، الذين يغامرون بخوض عباب البحر ليأتوا لنا بالسلع والاحتياجات، أو ينقلون منتجاتنا إلى أسواق العالم، ولكنهم ليسوا على بالِ أحد، أو هكذا يبدو على الأقل، فالسيد كارلوس سقا مدير غرفة الملاحة البحرية، أوضح لصحيفة الثورة أن اليوم العالمي للبحارة، وعلى الرغم من أهميته فإنه لا يعني الغرفة بشيء من حيث اختصاصاتها، فهي تهتم بملاّكي السفن الذين يرفعون العلم السوري فقط، وأشار إلى أنّ هناك ملاّكين سوريين كثيرين للسفن ولكنهم لا يرفعون العلم السوري، فحتى هؤلاء لا يدخلون في مجال اهتمامات الغرفة، إلا إن رفعوا العلم السوري.
ولكن يا ترى مالكي السفن الذين يرفعون العلم السوري، أليس من مصلحتهم الاهتمام بالبحّارة وبالشاغلين معهم في تلك السفن..؟ سؤال وجّهناه للسيد كارلوس، فأجاب: إن من مصلحتهم ذلك بالفعل، ويجب أن يكون هناك من حيث المبدأ تجمّعاً معيناً لهم، أو نقابة تجمعهم وترعى مصالحهم، وفي الواقع أخبرنا أحد النقابيين القدماء في طرطوس (السيد أحمد محمد عثمان) أنَّ العمل يجري حالياً وعلى مستوى الاتحاد العام لنقابات العمال من أجل إحداث نقابة لهم.
نقابة عمال النقل البحري في اللاذقية أوضحت لنا من جهتها أنّ البحّارة غير منضوين نقابياً تحت سقف هذه النقابة، فهم غير مستقرّين في البلد، إنّهم على متن السفن التي تشق عباب البحار، ويرى السيد إبراهيم إبراهيم رئيس نقابة عمال النقل البحري في اللاذقية بأنه من الأنسب قيام نقابة مهنية مستقلة للبحّارة، كنقابة المهندسين والمحامين والمعلمين، لأنّ أغلبهم مجازين ويحملون شهادات عليا ولهم نظام خاص بهم، وأشار إلى أن بعض البحّارة على السفن السورية - يقول ابراهيم - راجعونا في النقابة، وطلبوا الانتساب، فنصحناهم بالعمل على إيجاد نقابة مهنية، ولكن بالعموم نحن جاهزون للمناقشة والحوار معهم، فإن وجدنا الأمر ممكناً فنحن نرحب بالتأكيد.
أحمد محمد عثمان الذي حدّثنا عن مساعيه في هذا المجال، اتصلنا معه هاتفياً، وأعلمنا أنه نقابي قديم بالفعل، وكان يشغل منصب أمين سر اتحاد نقابات العمال في طرطوس، وقد بدا متحمّساً جداً لهذا الأمر، مشيراً إلى أنه بالفعل يسعى في هذه الأثناء مع الاتحاد العام، ومع مكتب العمال القطري من أجل إحداث نقابة مستقلة للبحّارة، فهم كثر، ولديّ وثائق رسمية من المديرية العامة للموانئ تؤكد أن عددهم في سورية يصل إلى نحو 25 ألف بحار من مختلف السلسلة الوظيفيّة، فمنهم القبطان، ومعاون القبطان، والبحري، والميكانيكي، والشيف البحري.. وإلى ما هنالك، والكثيرون منهم يتعرّضون إلى حالات ظلم ولا يجدون من يلجؤون إليه، فمثلاً يتعرّضون أحياناً إلى تنظيم عقود إذعان بالحد الأدنى من الأجور، وبعضهم مات، ولم يحصل ذووهم على أي تعويض أو حقوق، بعضهم الآن في السجون، في قبرص، وفي مصر أيضاً وغيرها نتيجة ارتكاباتٍ لأصحاب السفن يُلبسونها لهم، مؤكداً أن عملهم غير المستقر وعلى ظهر السفن ليس عائقاً أمام إقامة نقابة، لأنه يمكن لسورية أن تعقد اتفاقيات دولية معينة تستطيع من خلالها ملاحقة حقوق البحّارة أينما كانوا في العالم على مبدأ المعاملة بالمثل.
هموم البحارة
بالفعل البحّارة لا يوجد لهم تنظيم نقابي ولا غير نقابي، ولا أي تجمّع يمكن الاستعانة به للخوض في مجال همومهم ومشكلاتهم، فقد احترنا عند إعداد هذه المادة الصحفية كيف يمكننا أن نتلمّس هذا الأمر..؟ فلم نجد ما يُسعفنا، عندها لجأتُ إلى مواقع التواصل الإجتماعي، ورحت أبحث عمّا يفيد الموضوع، فعثرتُ على صفحة باسم ( نادي البحارة السوري ) وأخرى ( مشاكل البحار السوري ) وثالثة ( تجمّع البحّارة السوريين ) ورغم أنني لا أعرف مدى صدقيّة هذه الصفحات، فقد غامرتُ وراسلتها محاولاً أن أعرف منهم - ما الذي يعنيه لهم يوم البحارة العالمي، وهل هناك من يهتم بهم في هذا اليوم ..؟ وماهي رسالتهم التي يرغبون بإيصالها في هذا اليوم ..؟
أما صفحة مشاكل البحار السوري على الفيسبوك فقد أجابتني مشكورة بجوابٍ أشمل، حيث قالت: نعم هناك الكثير لنقوله بهذه المناسبة علنا نحصل على جزء من حقوقنا الضائعة، أولها إنشاء نقابة مستقلة للبحارة السوريين معترف بها دولياً من منظمة العمل الدولي لضمان معاملة البحار السوري في الخارج وفق القوانين الدولية، وثانيها إنشاء أكاديمية بحرية سورية، لإقامة الدورات التأهيلية للسفر على السفن بدلاً من أن يذهب البحارة السوريين إلى لبنان والأردن ومصر للدراسة فيها وهي مربحة جداً للحكومة ولكن هناك تقصير بها وخاصة بعد مع إنشاء المؤسسة العامة للتدريب والتأهيل البحري وتأمين الأجهزة اللازمة لافتتاح الأكاديمية، وثالثا إنشاء محاكم بحرية متخصصة في التجارة البحرية.
أخيـــــراً
يبدو أن إحداث النقابة يُشكّل عند البحّارة السوريين هاجساً حقيقياً، وهم بحاجة لمن يرعاهم ويحافظ على حقوقهم ومصالحهم، ونأمل في العام المقبل أن يكونوا قد حققوا هذا الأمل، وأن يجدوا من يحتفي بهم في عيدهم.. وبكل الأحوال كل عام وبحّارتنا بألف خير.