تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الجريمة بحلب...ضعف المؤسسة القضائية عبّد طريق القضاء الشعبي

تحقيقات
الاربعاء 23/8/2006م
تحقيق وتصوير : خولة غازي معن عاقل

كان يمكن لجريمة قتل المواطن نادر زكرت في محافظة حلب أن تمر كغيرها مرور الكرام وأن تسوى الأمور فيها كما سويت في عشرات جرائم القتل,لولا أن السيدة فاتنة تلاوي ,حماة المغدور,أصرت على رفض كل عروض الصلح ولم تستطع جميع الوساطات أن تقنعها بأية سوية.

وبغض النظر عن دوافع موقف السيدة تلاوي,ايجاباً أو سلباً,فإنها هي التي أتاحت لنا إمكانية متابعة تفاصيل هذه الجريمة,ليس من زاوية دراميتها أو تراجيديتها,مع أنها تحتوي على جرعات زائدة منها,بل من زاوية القراءات والمدلولات التي تحملها أوحملتها تلك التفاصيل,حتى ليمكنني القول بلا مبالغة إنها لعبت,بالنسبة لي على الأقل,دور الكاشف أو المظهر لصورة جرائم القتل في حلب بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية وعرت آليات تعامل المؤسسة القضائية والتنفيذية معها.‏

بدموع مقهورة تروي السيدة فاتنة ما جرى,اعتداء سافر على منزل ابنتها قام به مسلحون قبيل وقوع جريمة القتل ودخول بالقوة الى المنزل وتغيير لأقفاله,ورغم إبلاغ كل الجهات المعنية في حلب بما في ذلك المحامي العام وقسم شرطة الشهباء,إلا أن النتيجة كانت توقيف المغدور بدل توقيف المعتدين,لينتهي الأمر بجريمة قتل أودت بحياة زوج ابنتها.‏

ودون الدخول في استطرادات تتلخص المشكلة بوجود خلاف مدني حول المنزل بين المغدور نادر زكرت والمحامي أحمد حريتاني انتهى قانونياً لصالح الأول,فما كان من الثاني إلا اللجوء الى المدعوين ابراهيم ومحمود صوراني لمساعدته,فأبرم عقد ايجار مع الأول وبناء عليه أوجد ذريعة لتلك الأسرة للهجوم على المنزل.‏

وتتساءل فاتنة لماذا يدفعون لي 3,5ملايين ليرة إذا لم يرتكبوا الجريمة?!‏

-ولماذا لم تقبلي بهذا المبلغ مع أنك قد لا تحصلين على ثلثه في القضاء?‏

يصعد الدم الى وجهها وتتماسك على حافة الغضب قائلة بما يشبه الصراخ: يريدون أن نغير إفادتنا.. وافقنا على اسقاط حقنا الشخصي لكننا لن نقول إلا الحقيقة.‏

أبو محمود,واحد من الوسطاء بين الطرفين,أكد قرب حصول اتفاق بين عائلة محمود ابراهيم الصوراني وأهل المغدور ويتضمن دفع 3,5 ملايين ليرة مقابل اسقاط الحق الشخصي وتغيير الافادات مضيفاً أنه لاأحد يعرف القائل وإن كانت هناك شكوك توحي أنه محمود.‏

ويفسر أبو محمود الفرق بين تغيير الافادات وعدمه على النحو التالي: يعني تغيير الافادات أن القاتل مجهول أو يمكن تقديم أي شخص الى القضاء على أنه الفاعل,في حين أن الاكتفاء باسقاط الحق الشخصي يبقي المسؤولية الجنائية على المتهم وبالتالي يدان ويسجن بعقوبة الحق العام.‏

ولندقق جيداً في هذه العبارات التي أضافها أبو محمود: هذه العلاقات منتشرة في حلب وسببها الحالة العشائرية ودولة حلب تختلف عن دولة دمشق,ولو أن عضو مجلس شعب قتل في دمشق لأعدم القاتل (يشير هنا الى جرائم قتل وقعت منذ سنوات في حلب وراح ضحيتها أعضاء من مجلس الشعب وآخرون ).‏

دولة حلب ودولة دمشق هما مفهومان يشيران بالنسبة للذين استخدموهما أمامنا الى اختلاف طريقة تطبيق القانون والتعامل معه,والمقصود هنا بالضبط الإشارة الى دور الفساد والمصالح في عمل المؤسسات التنفيذية والقضائىة في حلب وسنحاول إغناء هذه النقطة لاحقاً.‏

دموع الحاج أبي عبدو شقيق المتهم الرئىس في هذه الجريمة لم تكن أقل مرارة وقهراً من دموع السيدة فاتن,والحقيقة أنه فاجأنا باجهاشه بالبكاء وهو يحدثنا عن مدى طيبة أخيه وأنه رباه على يديه وأنه لا يمكن أن يؤذي أحداً,متسائلاً لماذا يقتل ونحن نملك ما يقارب مئتي مليون ليرة?نحن مستعدون لدفع الملايين رغم أنه لا علاقة لنا من قريب أو بعيد بالحادثة فقط حفاظاً على سمعتنا.‏

وفيما بعد سنكتشف أن الحاج عبدو كان خارجاً للتو من السجن إثر مشاجرة وأنها ليست المرة الأولى التي يوقف فيها,وسيروي لنا صفوح الباشا كيف هاجر أب لديه أثنا عشر ولداً من اعزاز الى حلب منذ 25 عاماً وسكن منطقة ضهره عواد حيث عمل الجميع في الاسمنت وتجارة الدخان والبناء,وفي عام 1990 تشاجروا مع بعض سكان المنطقة,فهربوا الى شرق المساكن التابعة لمنطقة الشيخ نجار وراحوا يستولون على الأراضي عن طريق السطو المسلح وأجبروا المالكين على بيعها بتراب المصاري وسيطروا عليها ولم يعد بوسع أحد البناء فيها دون موافقتهم بل ووجدوا لهم دعماً بسبب زواج أحد أفراد العائلة من أخت رئىس قسم للشرطة.‏

ويؤكد صفوح أن الحاج عبدو لم يكن يملك شيئاً في عام 1990 في حين أن ثروته الآن تبلغ 150 مليون ليرة على الأقل.‏

على أية حال,كان هدفنا من لقاء الحاج عبدو-رغم التحذيرات حول خطورة المحاولة- هو ترتيب أو محاولة ترتيب لقاء مع الفارين محمود وابراهيم,ولاسيما أن السيدة فاتنة أكدت أنهما يقيمان في منزليهما وعلى مرأى من الأجهزة المختصة,فما كان من الصدفة أو القدر إلا أن رميا لنا بالطير أمامنا.‏

والحقيقة, ودون مبالغة,سررت بالتعرف على شخصية الطير واستغربت على مدى يومين من الحوار معها عدم وجود روائي واحد في حلب أمكنه أن يبتكر ما يوازيها,إنه مزيج من زكرت أو قبضاي الحارة القديمة والطفيلي على حياة المدينة الحديثة,والمهاجر الغريب,والخارج عن القانون والمهرب إنه باختصار كتلة متناقضات تحتاج الى حساسية الأديب ومنهجية الباحث الاجتماعي لإعادة قراءة شبكة العلاقات التي أنتجته.‏

أطلقوا عليه اسم الطير في السجن تيمناً بإحدى شخصيات مسلسل حمل ذات الاسم,وطبعاً,تردد في قبول هذا اللقب,واتفق مع والدته في احدى الزيارات,على تبني هذا الاسم على أمل أن تكون الشخصية الدرامية في المسلسل خيرة,وكم كانت فرحة الأم والطير كبيرة عندما اكتشفا في الحلقة الأخيرة أن هذا اللقب جاء في محله وأن الطير لم يكن غداراً,بل شهم ورجل بكل معنى الكلمة.‏

والحقيقة أن الطير الذي قيل لنا إنه الذراع الأيمن للمتهم محمود صوراني هو من بادر للاتصال بنا ودعوتنا للقائه. وطبعاً روى لنا ما يشبه قصة متفقاً عليها بين أطراف مختلفة لتبرئة المتهم واثبات وجوده في مكان آخر أثناء وقوع الجريمة,ربما لأنه اعتقد أنه قد تكون لنا علاقة ما بجهات تحقق في الموضوع.‏

ميزة الطير أنه يتحدث بطلاقة تبدو كأنها صراحة,وهو على استعداد لإثبات كل كلمة يقولها,فمثلاً عرض علينا أن يأخذنا الى قاض بحلب ويرينا كيف يدفع له,وحدثنا بالأسماء عن رؤساء بلديات اغتنوا خلال أشهر والأهم أننا عندما سألناه عن مصادر السلاح,اقترح علينا زيارة أحد التجار في المعرة ومعنا الكاميرا لتصوير منزله وتصوير كل أنواع الأسلحة المعلقة على الجدران ومؤكداً أن بيع السلاح في حلب وغيرها شبه علني ويكفي أن تكون هناك ثقة بسيطة بين الشاري والوسيط والبائع حتى تتم الصفقة.‏

ولما سألناه عن سبب علنية تاجر المعرة أجابنا ضاحكاً بأن لديه رجالاً اجراء يتطوعون لتبني المسؤولية في حال حدوث طارئ بينما يستمر هو في تجارته.‏

ولا يخفي الطير حجم سطوته في المنطقة,فهو يتباهى بأنهم يخوضون شجارات كثيرة وأنهم لا يمر عام منذ مجيئهم الى المنطقة دون حدوث ثلاثة شجارات على الأقل لكنه يستدرك أن أغلبها مع موظفي البلدية ومع الدوريات المرافقة لها وهولا ينكر أنه لجأ غير ذي مرة الى إطلاق النار على الدوريات وعلى ممانعتها بالسلاح وأنه دخل السجن مراراً.‏

لكن الطريف هو تلك البساطة التي يعبر فيها الطير عن استهتاره بالسلطات,فهي بالنسبة له ليست إلا جابي ضرائب لمصالح أفرادها الخاصة,فكل شيء يباع ويشترى على مرأى منها,فيقول: السلاح كثير لدينا والدولة تعرف بوجود مسدس وبارودة عندي,بس أنا رفيقهم وصاحبهم,فما بيقربوا علي.. وفي رواية أخرى: ذات مرة تشاجرنا وأطلقت النار,لكنني لم أقتل أحداً ,بل جرحت, انهزمت,ويوجد الكثير من الدراويش,نقول لواحد منهم خذ هذا المسدس وسلمه للقسم وقل إنك أنت الذي أطلقت النار.‏

أعطيته خمسة عشر ألف ليرة وذهب الى السجن لمدة ثلاثة أشهر ووكلت له محامياً أخرجه.‏

وإمعاناً منه في إثبات وجهة نظره,أكد الطير لنا أن هناك حوالى 60 محكوماً بجريمة قتل وأن أياً منهم لم يقتل أحداً,بل إنهم تبنوها لقاء مبالغ مالية كبيرة وتسويات بين القتلة من جهة وأسر الضحايا من جهة ثانية وغالباً بتواطؤ الجهات القضائية من جهة ثالثة.‏

وكان قد سبق أن تساءل: لماذا ندفع ثلاثة ملايين ليرة,نريد شخصاً يقول إنه القاتل,فهذه ليست مشاجرة وجرم القتل صعب والدم ثقيل..‏

في صدر مضافة بيت بري لم يكن السيف هو الذي يزين الحائط,بل شيئاً آخر يطلق عليه اسم ( سيخ الماعاش) وهي عبارة عن أداة حادة مستقيمة وطويلة في نهايتها مقبض ومعلقة بأنشوطة جلد سوداء,وعلى الأغلب يمكن ثني هذه الأداة حول الخصر,ولن أستفيض هنا في شرح الفرق بين الرمزين.‏

شرح لنا الحاج شعبان وجيه بيت بري دورهم في الوساطات والصلح مؤكداً في البداية أن القضاء لديهم هزيل بشكل غريب (ويا الله تشيل إيدك)..وأشار إلى أن المنازعات تحل بالاتفاق وأنه في كل صلح يحضر محامي من كل طرف تكون وظيفته متابعة الخطوط العامة للاتفاق وتنفيذ الجزئيات والتفاصيل و لاسيما تلك المتعلقة بالمؤسسة القضائية,حيث يتم تدبر كل شيء بما في ذلك تأمين الحق العام أو المتبرع للحق العام المستعد لقضاء العقوبة في السجن لقاء مبالغ مالية متفق عليها.‏

-ولكن أين أوجه القصور في القضاء?‏

يجيب بأنه يوجد مثلاً لص يسطو وينهب,وعندما يلقى القبض عليه,تعتقد أن القانون سيأخذ مجراه,لكنك تفاجأ به بعد أيام في الشارع,ويستدرك الوجيه فجأة:لا أريد أن أحرق حالي عند القضاء,قضاؤنا هزيل...لكن عندنا قضاة أشراف,إلا أن وردة لا تصنع ربيعاً..‏

وفي المضافة ذاتها,تحدثنا إلى شخص آخر,لن نذكر اسمه,لأنه سبق له أن سجن بتهمة قتل وخرج إثر مصالحة,وأخبرنا أن هناك نوعاً من الجرائم السهلة والبسيطة,فمثلاً ذات مرة ذهب بعض الأشخاص لقتل اثنين فالتبس عليهم الأمر وقتلوا شخصين آخرين على الشبهة,فسوي الأمر ببساطة ودفعت الدية..(ويا دار ما دخلك شر).‏

وكان من مآثر الطير معنا أيضاً تأمين لقاء مع الفار محمود صوراني المتهم الرئيس في قضية قتل نادر زكرت.وطبعاً,فإن التعامل الودود إلى أبعد حد للمتهم معنا فاجأنا,تحدث بمنتهى البساطة عن شهود مستعدين للإفادة عن مكان وجوده لحظة وقوع الجريمة,ومن هؤلاء الشهود ضباط ومسؤولون كبار,ولم ينتبه إلى أنه ناقض كلياً رواية الطير لنا حين ادعى -أي محمود- وجوده في محافظة أخرى,وأشار إلى أن لديه أموالاً ومصالح كثيرة تمنعه عن ارتكاب جريمة ليس له فيها لا ناقة ولاجمل, وقال إنه سيسلم نفسه فور إلقاء القبض على المحامي الفار,وأعطانا أسماء أشخاص بينهم ضابط في الأمن الجنائي ليثبت لنا غيابه عن مسرح الجريمة,وأنكر كلياً استعداده لدفع 3,5 ملايين ليرة مؤكداً أنه على استعداد لدفع 200-500 ألف ليرة كحد أقصى زكاة إلى أبناء المغدور اليتامى,وأن الذي يسعى للصلح ودفع المبلغ هو المحامي أحمد حريتاني لأنه هو القاتل.‏

أما عن الشهود السبعة الذين أكدوا في محاضر الشرطة أنه هو من ارتكب الجريمة,فقال إنهم شهود زور ومدفوع لهم وأن أرقام السيارات المدونة ملقنة لهم من أطراف لها مصلحة في الإساءة له.‏

وكما فوجئنا بالاتفاق بين دموع حماة المغدور ودموع أخو المتهم,فوجئنا أيضاً بتكرار العبارة ذاتها التي سبق لوجيه بيت بري التفوه بها حول ضعف وهشاشة القضاء,لكن هذه المرة على لسان السيد محافظ حلب,ومع ذلك لن أخفي إعجابي بالجرأة التي ناقش بها المسألة برمتها,وسأحاول هنا أن أقتطف من الحديث الطويل ما يهم موضوعنا على أمل نشر الحوار كاملاً فيما بعد,لأنه تناول قضايا كثيرة تتعلق بمحافظة حلب.‏

بداية سأنوه إلى أن السيد محافظ حلب فوجئ بلقائنا بالمتهم محمود صوراني وفوجئ بالتقاطنا صوراً له , واتهمنا بالسلبية وعدم التعاون ,ولا سيما عندما أخبرناه أن المتهم يعيش حياة شبه طبيعية , بل ويتصل ببعض الجهات الشرطية هاتفياً.‏

ركز السيد المحافظ في حديثه على مجموعة من النقاط الهامة.‏

أولاً: تحدث عن التفاوت الكبير و الحاد بين الريف والمدينة في محافظة حلب وأدت الهجرة من الأرياف إلى نقل وتوليد مجموعة من المشكلات التي أثرت على الاندماج الاجتماعي مشيراً إلى أن الفقر هو عدو كل شيء وأن سبب التخلف الاجتماعي هو التخلف الاقتصادي , ولذلك تنتشر الخلافات العشائرية , في الريف وتكاد تنعدم في المدينة.‏

ثانياً :أشار إلى استمرار بعض الجرائم الاجتماعية المرتبطة بالثأر والشرف مؤكداً أن الحصول على رقم دقيق يحتاج لمراجعة السجلات , لكنه يقدر عدد جرائم القتل بحوالى الثلاث جرائم أسبوعياً أي حوالى 150 جريمة سنوياً مضيفاً أن أرقام الجريمة إلى انخفاض.‏

ثالثاً : أوضح أن الوضع القضائي في حلب ضعيف وأنه بحاجة إلى شدة أكثر مشيراً إلى وجود سبعة أشخاص , صاروا معروفين , يعملون في تجارة المخالفات , لا يأبهون لأية سلطة في الدولة وهؤلاء لا يقول فيهم القضاء قولاً حازماً , فالواحد منهم يبني بنايتين ويدفع 50-100 ألف ليرة عقوبة أو رشوة.‏

رابعاً : أشار إلى أن ظاهرة الصلح موجودة في كل بلدان العالم وأن هذا لا يعني تخلي الدولة عن دورها مؤكداً أن تبني الجرائم من قبل مأجورين بحاجة إلى تدقيق.‏

خامساً : أكد أن القضاء في حلب مستقل تماماً وأن المؤسسة القضائية تتحسن ولكن ليس بالقدر المطلوب , فهناك بطء بالقضايا مشيراً إلى حاجة حلب لتطبيق القانون.‏

أحد كبار المسؤولين في شرطة محافظة حلب قال إن دور الوجاهات في حل المشاكل يتراجع وأن هذا الكلام صحيح سابقاً أما الان فدور الدولة هو الأساس مؤكداً أنه من الخطأ القول إن هناك من يتبنى جرائم قتل ويحاكم ويسجن على أساسها دون أن يكون قد ارتكب الجرم , لأن أهل القتيل لا يمكن أن يقبلوا بذلك.‏

وفيما يتعلق بحادثة مقتل المغدور نادر زكرت ووجود تواطؤ بين أطراف شرطية والمتهمين أكد المسؤول أن الشرطة شريحة من المجتمع وأن فيها الآدمي والمرتشي مثلها مثل القضاء تماماً لكن في جرائم القتل لا يمكن لأحد أن يتصرف على نحو خاطئ , ويمكن أن يقوم بذلك في أشياء أخرى .‏

وحول مسألة استخدام كبش فداء في جرائم القتل ولاسيما من القاصرين أكد المسؤول أنه عرض عليه أكثر من مرة متهم بسن الخمسة عشرة عاماً , لكنه رفض ذلك وأصر على حضور القاتل الحقيقي , فلا الشرطة ترضى بذلك ولا أهل القتيل .‏

واعترف هذا المسؤول بانتشار السلاح والجرائم وعزا السبب المباشر إلى تراخي القضاء والحد من استخدام الأحكام العرقية , أما الأسباب غير المباشرة فيرتبط بالجهل والبطالة والفقر.‏

خلال حديثنا مع السيد محافظ حلب طلب منا ألا ننسى أن تعداد سكان محافظة حلب يبلغ 5 مليون نسمة وأنه من الطبيعي أن يكون عدد الجرائم فيها أعلى من المحافظات الأخرى لكننا بالعودة إلى المجموعة الإحصائية اكتشفنا أن نسبة الجرائم في محافظة حلب أعلى مع أخذ عدد السكان بالاعتبار , فمثلاً في الجرائم الواقعة على حياة الإنسان وسلامته بلغ عدد الجرائم عام 2003 في محافظات دمشق وريفها والقنيطرة 626 جريمة بينما بلغ العدد في حلب 922 جريمة , بينما كان هناك فيها 107 جرائم شرف مقابل 223 جريمة شرف في حلب وجريمتا خطر شامل مقابل 29 جريمة في حلب.‏

أما جرائم الأحداث الواقعة على حياة الإنسان في العام نفسه في محافظات دمشق وريفها والقنيطرة فبلغ 80 جريمة مقابل 147 جريمة في حلب, المشكلة إذاً متعددة الأبعاد , بحسب تقاطعات كافة الاراء التي استطلعناها في اطار واقعة عيانية.‏

إذ يمكننا القول إن هناك سيرورة,ربما لم تزل في بدايتها,لتشكل ما يمكن تسميته الجريمة المنظمة,حيث لا يوجد دافع مباشر للقتل,إنما هناك تقاطع لمصالح مادية ومعنوية تدفع أشخاصاً لارتكاب جرائم دون وجود أي أساس للخلاف مع ضحاياهم,وتصل فيها الأمور الى حد الخطأ في الضحية المستهدفة,وسقوط أخرى بدلاً منها نتيجة التشابه.‏

من جهة أخرى,تساهم هشاشة أو ضعف المؤسسة القضائية والقانونية في توجه الناس نتيجة حاجتهم لحلول سريعة الى اللجوء الى العلاقات العشائرية والأهلية والى تقدم دورها,بحيث يغدو الوجهاء قضاة والمحامون وسطاء منفذين للاتفاقات وتغدو الأجهزة المختصة مجرد طرف خارجي يتقاضى ما يشبه العمولات.. وهذا ما أقر به جميع من التقيناهم سواء صراحة أو ضمناً.‏

ولعل ما يؤكد استنتاجاتنا السابقة وجود ما يسمى (شارع الأوض) في حلب والأوض هي لفظة عامية جمع (أوضة) أي غرفة أو مضافة.‏

وفي هذا الشارع الذي يحتاج الى تحقيق مستقل يأتي الناس الى مضافات يتقاضى القائمون عليها عمولات من الطرفين مقابل التوصل الى اتفاقات وحلول للمشكلات والنزاعات المدنية بين الناس,بدل دخولهم في دهاليز القضاء المظلمة.‏

تعليقات الزوار

كمال ؛ دمشق  |  kriz@yahoo.com | 23/08/2006 12:11

الغريب في الامر ان السيد المحافظ يعرف بأدق التفاصيل ولكنه عاجز عن فعل اي تفاصيل ، اذا كان صحافيي جريدة الثورة الشجعان قادرين على الوصول الى المجرمين فكيف لاتستطيع اجهزة السيد المحافظ من الوصول اليهم . اخيرآ اقول لهؤلاء شاهدي الزور والمجرمين بأنه من يفعل مثل هذه الاعمال المخلة بالامن بانهم لن يترددوا لحظة في خيانة وطنهم وعرضهم، لانه للاسف اصبح في هذه الايام كل شئ مباح من اجل المال ، لا اعرف ماذا جرى للناس هذه الايام ففي ايام زمان كان الناس ينامون دون عشاء والشاي والسكر كانا من السلع النادرة على سبيل المثال ، اما الان فكل شئ متوفر ومع ذلك تجري هذه الاعمال الشنيعة والاخ يقتل اخيه من اجل الف ليرة .

مواطن |    | 23/08/2006 15:39

هذا في جرائم القتل اما في الجرائم الاخرى فأعتقد ان الجاني يحكم له ويقتص من المجنى عليه هذه الحالة للأسف موجودة في معظم محافظاتنا والسبب هو انعدام الضمير عند القضاة والسعي وراء جمع الاموال على حساب المظلومين نريد حل جذري لهذه المشكلة

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية