منذ عصر شاول هي صورة لا سند لها في التوراة. نفسها وبالتالي فإن ما تسجله الدراسات التاريخية وسياسات الدول الكبرى, والآداب و الفنون الغربية التي تنهل من التوراة عن وجود حق ديني تاريخي لليهود في فلسطين, إنما هو خطأ مأساوي آن الأوان- في الغرب والعالم كله- للاعتذار عنه وتصحيحه).
تصحيح هذا الخطأ المأساوي, سيكون الأساس الذي ينطلق منه فاضل الربيعي في بحثه عن حقيقة لطالما طمست وعرضت لمحاولات التزوير والتلفيق, معتمداً قراءة جديدة لنصوص التوراة, لا سيما سفر صموئيل, وكذلك من خلال ترجمة جديدة ودقيقة للنص المعنون ب (نشيد الإنشاد) الذي يحكي قصة حب دارت أحداثها في أورشليم المزعومة, بين الملك سليمان بن داود والإلهة العربية سلمى, محاولاً البرهان على أن هذا النشيد ليس إلا معلقة ضائعة من معلقات الشعر الجاهلي, ومبطلاً أي صلة بينه وبين الآداب السومرية والبابلية. ليصل إلى نتيجة مفادها أن التوراة هي تسجيل لتجربة بني اسرائيل التاريخية في اليمن القديم, دون أي مكان آخر.
إذ ليس في نصوص التوراة جميعاً, ولا سيما في نشيد الإنشاد, ما يدل على أن هذا النشيد هو لسليمان. فالاسم الظاهر في النص هو: شلمه- سلمه وفي اللغة العبرية يرسم الاسمان (سليمان وسلمى) بنفس صورة (شلمه) وسلمه عند العرب اسم للرجل والمرأة معاً.
ويؤكد الربيعي على أن اسم (سلمى) الوارد في النص, هو جبل سلمى. إذ إن التغني بأسماء المواضع والأماكن المرتبطة بالذكريات, تقليد شعري بدوي قديم سار الشعراء الجاهليون على خطاه, حيث يتواجد هذا الجبل في السراة اليمنية, قريب من وادي سلم(شلم) والعرب القدماء كانوا يرسمون الاسم في صورة: أورى سلم. وبالطبع كل من جبل سلمى ووادي سلم لا وجود له في فلسطين التاريخية. ولكن لماذا أطلق على هذا الجبل اسم سلمى الوارد ذكره في الكثير من أشعار العرب, على سبيل التماهي بين اسم المكان, واسم المعشوقة?
تقول الأسطورة إن سلمى هي فتاة بارعة الجمال عاشت مع أسرتها في وادي سلم, وقعت الفتاة في حب الشاب أجأ, وعندما ذاع أمر حبهما وعلم إخوة سلمى, كان الموت مصيرهما فشاعت قصة الحب والجريمة بين القبائل, وتحولت الفتاة إلى الجبل نفسه الذي شهد مصرعها, وإلى جوار هذا الجبل نهض الجبل الآخر (أجأ). وصار المكان مزاراً للقبائل التي اتفقت فيما بينها على أن يكون الجبلان مع سلسلة الجبال المجاورة مكاناً آمناً يحرم فيه قتل المطاردين. على هذا نشأت عبادة الإلهة سلمى في النظام الثقافي القديم للعرب, مقترنة بظهور نظام الحماية والإجارة عندهم, ويعود الباحث الربيعي للتأكيد أنه ما من إشارة في التوراة على وجود هكذا نظام في فلسطين (إن هذا الأمر من شأنه أن ينسف كل أساس للقراءة الاستعمارية التي قامت بتضليل العالم والتاريخ بمطابقة لا أصل لها بين التوراة من جهة وتاريخ فلسطين القديمة وجغرافيتها من جهة أخرى).
- لن يقتصر التضليل والخداع على ذكر جبل سلمى, وإنما سينحسب الأمر على الكثير من أسماء المواضع كما لو أنها ضمن جغرافية فلسطين التاريخية وجارتها لبنان, والحقيقة أن لا ذكر لها في فلسطين, وحتى لبنان. من هذه المواضع: جبل أفيق- أو بن أو أبان. وهذا الجبل الأخير( أوبن) تحيطه التوراة, بقدسية خاصة ولن يتساءل أحد من قراء التوراة اليهود الغربيين عن حقيقة وجود هذا الجبل في فلسطين, حيث يرتبط هذا الاسم في التوراة بمعارك جرت بين بني اسرائىل وجماعة وثنية تدعى (ها - فلشتيم) ترجمت إلى الفلسطينيين, في سياق لعبة سياسية غربية مضللة في الشرق العربي, وهكذا تم الإيحاء للبشرية بأسرها أن تلك المعارك جرت مع العدو نفسه الحالي.
هنا تنبع أهمية البحث عن حقيقة أسماء المواضع الواردة في التوراة, إذ يذكر الهمداني- وكذلك ورد في الشعر الجاهلي - أن جبل (أبان) أو (أوبن) من أشهر جبال العرب وأقدمها, يقع بالقرب من أشهر بيوت العبادة الوثنية عند القبائل العربية (بيت الفلس) يتبع قبيلة طيء اليمنية غير بعيد عن سلمى (إن مثل هذا الفضاء الجغرافي لا وجود له في فلسطين), يقرأ اسم (الفلس) عند اليمنيين القدماء في صورة (فلست) ويجمع في التوراة على صورة (فلشتيم) وحقيقة الأمر هي أن العرب ورحالة اليونان لم يعرفوا جماعة فلسطينية وجدت قرب جبل أبان, والجماعة التي عرفت هي جماعة وثنية قديمة منسوبة إلى بيت العبادة الوثني (الفلس)
وبناء على كل ما تقدم فإن أحداث الحرب التي وردت في سفر صموئيل, لم تقع على أرض فلسطين الحالية, والعدو الذي ذكر فيها ليس الفلسطيني نفسه, بل هو قبائل الفلس التي مثلت مشكلة مستعصية بالنسبة للقبائل العربية كافة, وليس لبني اسرائيل وحدهم, (فالتوراة التي بين أيدينا اليوم كما يقول طومسن, هي نتاج مخيال غربي.. رأى أسماء المواضع والأماكن على أنها أسماء أماكن ومواضع فلسطينية لتبرير اغتصابها).
الكتاب: قصة حب في أورشليم
المؤلف: فاضل الربيعي
الناشر: دار الفرقد - الطبعة الأولى :2005