تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بورتريه... رينيه شار ...لا يوجد شاعر دون هذيان

كتب
الاربعاء 23/8/2006م
ل. ه. ح

في أواخر حياته كان ينظر إلى وجهه في المرآة ويقول: (هناك من يقول عني بأن وجهي أصبح يشبه وجه المجرم لا بأس, هذا شيء جيد جداً أن يكون وجهي كذلك وأنا في هذا العمر والواقع أن الجانب الشيطاني من شخصيتي أصبح يظهر أكثر فأكثر.. كلما تقدمت في السنين).

إثر قراءة بعض أشعار الفرنسي رينيه شار يبادر إلى أذهاننا سؤال يشبه أن نقول :(هل على نبتة عباد الشمس أن تتعلم كيف تصبح عباد شمس?!).. فالموهوب لايتعلم أن يكون موهوباً.. لأنه هو كذلك أصلاً.. رغم أن العصر الذي وجد فيه رينيه شار كان يضج بالعباقرة والموهوبين أمثال ألبيركامو. سان جون بيرس, آراغون, بول إبلوار, هنري ميشو, سلفادور دالي, بيكاسو, براك.. إلا أنه أثبت جدارته ومكانته بين هذه الأسماء وبوقت قياسي...‏

رينيه شار(1907-1988).. كان معزولاً في بلدته في الجنوب الفرنسي.. إلى أن اكتشفه بول ايلوار وأدهشته موهبته الشعرية فأقنعه بالمجيء إلى باريس والانضمام إلى الحركة السوريالية التي كانت قد أسست بعد الحرب العالمية الأولى كرد فعل على فظاعتها.. حيث كفر أفرادها بقيم المجتمع الأساسية التي أدت إلى الحرب وأعلنوا رفضهم لقيم العائلة..‏

واشتهروا بمعاركهم التي تنشب في مقاهي باريس وتؤدي إلى تكسير الصحون والكؤوس .. ويدعون بقية أفراد المجتمع البرجوازيين تحديداً- بالعفنين وهم بدورهم يدعونهم بالمشاغبين والزعران والمجانين.. وحين حدث وأن هجمت عصبة السورياليين على أحد المقاهي الشهيرة في حي المونيارناس حيث حفلة راقصة للطبقة البرجوازية. تقدم المجموعة رجل ضخم.. ولأنه الأقوى جسدياً فقد تزعم المعركة.. وحصلت معركة فاصلة بين الطرفين واستخدمت فيها الكؤوس والسكاكين كانت النتيجة أن انتهى الجميع في مركز البوليس ومع ذلك الزعيم الضخم رينيه شار..?!‏

لاحقاً رغم ابتعاده عن مجموعة السرياليين إلا أنها كانت الحقبة التي ساعدته على تفتح عبقريته الشعرية وإحداث القطيعة الكاملة مع الشعر التقليدي.. وحين أدار ظهره لباريس.. غادر ليغرد خارج السرب.. وليشرب ملء كأس سكب منها كثيراً..‏

اشتهر عنه اعجابه برامبو.. وكما أكد نقاد عصره بأنه شار ورامبو كلاهما يمتلكان أكثر من لمعة أو شرارة.. يمتلكان ( الضربة القاضية) في الشعر.. كان يحتقر الشعراء الذين يكتبون بمناسبة ودون مناسبة أولأغراض سياسية مثل أراغون.. ويقول:( الشعر وحده قضية وليس بحاجة إلى قضية أخرى لتبرير نفسه) وطرح أخطر سؤال في قضية الشعر: (ألا ينبغي بلحظة ما أن يسكت الشاعر.. ويقول كفى)..‏

كان يخشى أن يفقد براءته الأصلية أو التلاعب بالألفاظ والكلمات دون أي مبرر أو سبب?! كان يريد أن يظل مخلصاً لقضية الشعر حتى درجة الاستشهاد أو الانتحار أو الموت.. ولهذا كان معجباً برامبو وخاطبه ذات مرة: حسناً فعلت إذ رحلت آرثر رامبو..‏

في أشعاره تختبىء دعوة تشبه ماقاله يوماً نيتشه:( أترغبون في قطف ورودي/ أنحنو, واختبؤوا بين الصخر والأشواك وأصابعكم غالباً إلعقوا! لأن حظي.. حظ منكد.. لأن حظي- حظ معفرت)‏

حافظ على معادلات صعبة في الشعر واضح, غامض, فج, ووديع.. لطيف وفظ.. غريب وألوف, نظيف, وقذر‏

كان على يقين بأنه( لايوجد شاعر كبير دون هذيان.. ونحن نتغذى من هذا الهذيان في الوقت الذي نحاول السيطرة عليه).. كان يخشى أن تصيبه نهاية تشبه جنون ثيرفال.. ونيتشه هولدرلين.. أي يؤلمه سؤال- من الذي سيتغلب في نهاية المطاف على الآخر.. هل هي العبقرية أم الجنون?! كا ن يخشى أن يؤدي به طبعه المتطرف سلباً أو ايجاباً إلى حافة الجنون.. رغم أنه هوالذي صرخ يوماً..( كيف العيش بلا مجهول أمامك)?!.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية