ولو عدنا الى كتب التاريخ والمخطوطات القديمة التي تتناول فضائل البلدان, لوجدنا ان لدمشق وبلاد الشام وافراً من العناية بالتصنيف في فضائلها ولأكثر من مئة مؤلف. ويكفي دمشق فخراً كتاب ( تاريخ دمشق) للحافظ المؤرخ ابن عساكر. وهو اعظم كتاب تناول تاريخ دمشق جاوز ثمانين مجلداً.
كانت دمشق ولا تزال محج العلماء وطلبة العلم من اصقاع الدنيا, وما كان يرى ان يستكمل عالم علمه ما لم يؤم احدى عواصم العالم الاسلامي , وقمر هذه العواصم دمشق. فقد ورد في كتاب الانس الجليل في زيارة القدس والخليل وفي كتاب ترغيب اهل الاسلام: (انه لما علمت الصحابة رضوان الله عليهم تفضيل الشام على غيره, رحل منهم اليه عشرة آلاف عين رأت الرسول صلى الله عليه وسلم ).
وفي كتاب الاربعين البلدانية لابن عساكر: ( ان دمشق ام الشام واكبر بلدانه) وذكر الشيخ الاكبر ابن العربي في كتابه الوصايا: اخي المسلم ان استطعت ان تحيا في الشام وتموت بها فلتفعل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت انه قال : ( عليكم بالشام فإنها خيرة الله في ارضه, واليها يجتبي خيرته من عباده).
واختصت بلاد الشام بالبركات وقدسية الارض, فإليها سطع نور الرسول صلى الله عليه وسلم عند ولادته من مكة, واليها اسرى به عليه السلام في رحلة الاسراء والمعراج, وفيه غزا الرسول صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ثم سرية مؤتة , وفي كتاب العزيز المختار لابن عبد السلام: ان يزيد بن ابي سفيان ومن معهم بأمر من ابي بكر كتبوا الى خالد بن الوليد وهو بالعراق: ( انصرف بثلاثة آلاف فارس, فأمد اخوانك بالشام, والعجَل العجَل الى اخوانكم بالشام, فو الله لقرية من قرى الشام يفتحها الله على المسلمين احب الي من رساتيق العراق).
إن افضل بقاع الشام عدا بيت المقدس: دمشق,ومما يدل على بركتها وافضلية اهلها كثرة ما فيها من الاوقاف على انواع القربات ومشارف الخيرات, واماكن مقدسة, مثل جبل قاسيون, خاصة منطقة الصالحية والتي تسمى الصالحين, وهناك مرويات عن اجابة الدعاء في موضع مارة الدم ( ابن آدم) وقد ذكر الربعي في كتابه ( دمشق والشام) عن عبد الله بن سلام: (بالشام من قبور الانبياء الف قبر وسبعمائة) وعن كعب الاحبار ايضاً (في مقبرة باب الفراديس يبعث منها سبعون الف شهيد يشفعون, كل انسان في سبعين).
وقد ذكرت احاديث نبوية صحيحة في فضل الشام, و المقصود بالشام : ( بيت المقدس, وما ولاها ودمشق وغيرها ).
هذا غيض من فيض لأحاديث نبوية صحيحة اجمعت على قدسية الشام ومكرمة دمشق عند الصحابة رضي الله عنهم اجمعين, للسكنى فيها والدعاء لأهلها ونحن اليوم بأمس الحاجة الى التذكير بهذه الاحاديث الشريفة ولا سيما بعدما غمرنا طوفان الحقد والكراهية من الاعداء ارضاء للطغمة الفاشية المسماة امريكا .
فالشام منذ القديم اوقفت زحف المغول وهجمات التتر, وحمت البلاد العربية والاسلامية من اطماع الصليبيين,وفي العصر الحديث اخذت دمشق على عاتقها وحملت على كاهلها الدفاع عن القضية الفلسطينية, فمنذ النكبة حضنت ا هلها المشردين وهم اليوم اخوة بيننا , وفي ثورة الجزائر قدمت دمشق لبلد المليون شهيد كل غال وثمين حتى اكتحلت عيون ابنائه بالتحرير والاستقلال , وفي فتنة لبنان كفلت اهله القادمين اليها بعطف وحنان واخمدت بدم شهدائها الفتنة والطائفية, واعادت الاستقرار والامان الى بيروت الجريحة,واصبحت بحمد الله معافاة.وعند احتلال العراق الحبيب ضمدت جراح ابنائه وفتحت الشام لأبناء الرافدين احضانها بكل حب وسخاء وها هم بيننا يشربون من بردى ويحملون بطهارة مياه النهرين وها هي دمشق اليوم تفتح ذراعيها لتحتضن ابناء جنوب لبنان الصامد, ليتفرغ ابطال المقاومة في دك معاقل وأوكار البغي والعدوان وقهر جبروت جيش الصهاينة.
فدمشق الشام عودت كل العرب والشرفاء منهم ان ارضها طهر, وجبلها صخر , وشعبها ابي حر, وقائدها مغوار صلد. هكذا الشام كانت وهكذا ستبقى.