|
وظائف وهمية آراء
أمينة المكتبة وظيفة وهمية , تسعى العديد من المدرسات الكسولات للحصول عليها إذ لا تضطر أمينة المكتبة للخروج من منزلها إلى عملها إلا أول كل شهر لقبض راتبها. ومكتبة المدرسة غرفة منسية موصدة الباب دوماً , نسيها الطلاب والأساتذة والجهاز الإداري للمدرسة , وأحب أن أسميها غرفة الغبار , , لأنه في المرات القليلة التي دخلت فيها مكتبة بعض المدارس هالني كمية الغبار التي تغطي رفوفاً قديمة مخلعة , وكتب تعبق برائحة العفن , مهترئة لدرجة تخشى في تقليب صفحاتها كي لا تتفتت بين أصابعك.. ومعظمها كتب قديمة ما عادت لغتها ولا أفكارها تصلح لهذا الزمن . ربما علينا أن نتذكر أمينة المكتبة , وغرفة الغبار قبل أن نلوم أبناءنا على لامبالاتهم بالقراءة , وانصرافهم للتفاهات والتسليات الرخيصة غير المفيدة. قبل أن أبين الدور الرئيسي والحيوي الذي يجب أن تلعبه مكتبة المدرسة في جذب الطلاب للقراءة وتوسيع مداركهم , وصقل شخصيتهم وإغنائها بالمعرفة والثقافة , أحب أن أشير للتطور الكبير لعلم نفس السلوك عند الأطفال , إذ ظل هذا العلم يعتبر ترفاً , بل العلم لسنوات طويلة إلى أن حدثت ثورة علم النفس عند الأطفال , خاصة علم السلوك, وصدرت مئات الكتب تتناول دراسة سلوك الأطفال حسب طريقة تربيتهم. استهوتني هذه الكتب كثيراً , وأضاءت لي جوانب غامضة وغير مفهومة في نفسية الطفل , ولاحظت أن هذه الكتب جميعها تشترك بقاسم مشترك هو الأكيد على أهمية وقيمة الكتاب والقراءة في بناء شخصية الطفل , فالكتاب هو الطريق الأمثل لتوسيع مداركنا وفهمنا لأنفسنا وللعالم ولإقامة علاقات سليمة ومتوازنة مع المحيط وإلا تحول التعليم حسب تعبير نيتشه إلى عملية مضغ- كما تمضغ البقرة العشب. لماذا لا تلعب المكتبة في مدارسنا دوراً حيوياً ? لماذا لا ننفض الغبار عن رفوفها ونملأ هذه الرفوف بكتب جديدة قيمة, تفتح شهية الطالب على القراءة ..لماذا لا نخلق حافزاً أو منافسة ايجابية بين الطلاب ونطلب منهم قراءة الكتب ومناقشتها وتلخيصها ?!ولماذا لا يكون النشاط الثقافي وتعليم الأطفال الجدل الحر, والنقاش وتقبل الآخر أهم من المقرر المدرسي الذي غالباً ما ينسى الطالب معظمه حال خروجه من قاعة الامتحانات. ولماذا لا نجبر أمينة المكتبة أن تلتزم بدوامها وعملها , وأن نرج ضميرها الغارق بالسبات بصدمة كهربائية. ليست أمينة المكتبة وحدها وظيفة وهمية , بل كذلك هناك المسؤول عن المخبر في المدرسة , المخبر الذي لا يختلف عن المكتبة , غرفة مغلقة أبداً لا تجري فيها تجارب خاصة في مادتي الفيزياء والكيمياء.. ولا أنسى الصدمة التي أحدثتها في نفسي رؤيتي لجهاز أمبير , إذ فوجئت أنه جهاز ضخم وكنت أتخيله مجرد دائرة صغيرة في داخلها حرف(A) كما يرسمونه دوماً في كتب الفيزياء?! ما من شك أننا كما نزرع نحصد وهذا الجيل المسكين الذي نشبعه نقداً ونسحقه ونحتقر ممارساته, وهو تحصيل حاصل لما نقدمه له , لأننا في الواقع لا نقدم له شيئاً لا ثقافة حقيقية , ولا نحرضه على القراءة ونبين له أهمية الكتاب , نهديه في المناسبات طعاماً ولباساً .. لا توجد نشاطات ثقافية حقيقية مثل السينما والمسرح. أعيش في اللاذقية أتفرج على مئات الشباب يتسكعون كل يوم لساعات في الشوارع الحيوية للمدينة يثرثرون ويهدرون الوقت بلا فائدة .. بل صار مفهوم التسلية والإفادة متناقضين ..فأن تتسلى يعني أن لا تستفيد من أي شيء !! إن أسلحة هذا العصر المتسارع حيث كم المعلومات والاكتشافات المذهلة يتركنا بحالة صدمة , لا يمكن تجاوزها إلا بسلاح وحيد هو الثقافة وسعة الاطلاع. فما الأسلحة التي نقدمها لطلابنا !! سوى كتب دراسية يبتلعونها كما عصيدة جافة. كم من الطلاب يحكون لي بسخرية وألم أن حصص الرياضة والموسيقا ملغاة تماماً , وأن المدرسين يطلبون إليهم حل بعض وظائفهم في هذه الحصص.. أخيراً أتمنى من الجهات الرسمية الانتباه لعلم نفس السلوك عند الأطفال وإقامة ندوات ودورات تدريبية للمدرسين للاطلاع على هذا العلم الرائع , عسانا نضع حجر الأساس لبناء ثقافة حقيقية أساسها الكتاب
|