وأعتباره ايضاً المرحلة الأخيرة التي يجب أن يصل اليها الفنان، مع العلم أن الإنسان البدائي الباليوليثي، الذي سبق الأزمنة النيوليثية بآلاف السنين، رسم على جدران الكهوف، في تلك المرحلة السحيقة في القدم، فناً يضاهي في حيويته وواقعيته، فن القرن التاسع عشر (واقعية كوربيه ومن سار على خطه).
وإلى جانب هذا اللغز المحير، برزت ظاهرة أخرى محيرة أيضا، في بداية القرن العشرين، وهي ظهور الحركات التجريدية، والتي أعادت الفن إلى التجريد النيوليثي ذاته، مستلهمة عناصره ورموزه وأشكاله، حيث وجد أن هناك تماثلاً، بين واقعية الفن الباليوليثي لإنسان العصر الحجري القديم، والتجريد الهندسي للفن النيوليثي، وبين واقعية فن القرن التاسع عشر، وتجريدية فنون القرن العشرين، وبذلك تمت مسألة تأكيد وحسم هذه الجدلية التاريخية.
وهذا يعني أن الفن في كل مراحله، وعلى مر كل العصور، القديمة والحديثة، كان يتحول من أقصى حدود الواقعية، الى أقصى حالات التجريد، ثم يعود الى الواقعية، فمثلا كلاسيكية عصر النهضة وما بعدها، والتي استمرت حتى «دافيد رائد الكلاسيكية الجديدة» وبقي الفن يتطور حتى مجيء «بول سيزان» الذي أعطى المتانة للانطباعية، باحثاً عن الجوهر الكامن خلف المظاهر.
وهكذا كانت لحظة «سيزان» إحدى اللحظات الفريدة في تاريخ الفن، التي قادت إلى الفن التكعيبي. «سيزان» شكل نهاية لدورة فنية، غير أنه شكل أيضاً بداية لدورة جديدة في الفن.
وبذلك فتح الطريق أمام تكعيبية «بابلو بيكاسو» و«جورج براك» وصولأ الى تجريدية «كاندينسكي» و«موندريان» وسواهما، لإعادة دورة الفنون والحضارات.
facebook.com/adib.makhzoum