وهذا الفشل لا يتمثل في عدم تحقيق أي أهداف من هذه الحرب التي لا تستهدف سوى المدنيين, بل يظهر بوضوح من خلال عدم القدرة على رد نيران الجيش اليمني واللجان الشعبية التي انطلقت باتجاه المواقع العسكرية السعودية رداً على تمادي العدوان.
في العقود الماضية, كانت العائلة المالكة السعودية تحرص عى تمويل أي حروب تخدم المصالح الأميركية من دون أن تشارك في هذه الحروب بقواتها البشرية أو أسلحتها الأميركية, وهذا ما فعلته في بداية الثمانينات من القرن الماضي حين دعمت بالمال والمتطوعين الإسلاميين المجموعات الأفغانية في حربها على الاتحاد السوفييتي, وكذلك حين دعمت بالمال حرب صدام على الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى عام 1988.
وفي كل هذه الحروب كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الأول والمحرض والمخطط الأول لهذه الحروب ضمن استراتيجية خاصة بأهدافها من دون أي صلة بالأهداف العربية وقضاياها المركزية.
ولكن التطورات الأخيرة في عام 2015 ولاسيما مع تولي عائلة مالكة جديدة للحكم في الرياض, انتقلت السعودية إلى سياسة التدخل العسكري المباشر بقواتها وأسلحتها وأموالها بتحريض أميركي ومن أجل المصالح الأميركية سواء في الحرب التي تشنها على اليمن مباشرة أو في حروب التدخل بالأموال والسلاح ضد سورية والعراق ولبنان. في غضون الأشهر الماضية التي تلت بدء العدوان السعودي في السادس والعشرين من شهر آذار الماضي نشرت أهم وسائل الإعلام الأميركية مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ويوس إس نيوز ونيوزويك تحليلات للإجابة عن سؤال: «هل ستتمكن السعودية من الانتصار على اليمنيين» وكانت الاستنتاجات تؤكد أنها لن تستطيع الانتصار وهذا يعني أنها لن تحقق أهداف هذه الحرب.
فلا يعقل أن تكون واشنطن صاحبة أكبر المصالح الاستراتيجية في المنطقة والأشد تحسساً لأي خطر داهم عليها هي التي توقع مع طهران على اتفاقية بمشاركة خمس دول كبرى وترفع العقوبات عنها ثم نرى أن السعودية تشن حرباً على اليمن بحجة توجيه ضربة للنفوذ الإيراني في اليمن؟!.
الولايات المتحدة تدرك أكثر من غيرها أن الحرب السعودية على اليمن ستفرض أجواء توفر لها خيارات عديدة في تغيير قواعد اللعبة مع السعودية بهدف تحقيق ما يزيد على ما حققته من مصالح أميركية من السعودية في السابق.
فالنفط الأميركي ينتظر دخوله إلى ساحة منافسة النفط السعودي بعد أن تمكنت واشنطن من زيادة إنتاجه إلى نسبة 10 ملايين برميل يومياً فتفتيت قدرات إنتاج الدول النفطية الذي يجري حتى الآن ضد ليبيا ونيجيريا والعراق وحصار النفط الروسي والإيراني ليس إلا جزءاً من الاستراتيجية الاميركية النفطية الجديدة التي ستدفع واشنطن إلى تفتيت قدرة إنتاج السعودية التي تعد من أكبر الدول المنتجة في العالم.
وفي تحليل نشره موقع (غلوبال ريسك انيسايت) تحت عنوان (رؤية للمخاطر العالمية)
جاء فيه أن « السعودية تتعرض الآن نتيجة هذه السياسة لعجز في الميزانية بعد أن انخفض احتياطي النقد الأجنبي فيها بقيمة 60 مليار دولار منذ نهاية 2014 حتى حزيران2015» وقد لجأت السعودية في تموز 2015 إلى بيع سندات حكومية بقيمة 5,3 مليار دولار بسبب النفقات العسكرية والمشاكل المالية التي شقت طريقها بسرعة بعد أن بلغت النفقات العسكرية 17 بالمئة من الميزانية العام عام 2014 وبدأت بالارتفاع أكثر فأكثر عام 2015 لتصل إلى 27 بالمئة حتى نهاية العام المقبل.
ومع انخفاض أسعار برميل النفط إلى خمسين دولاراً يتوقع المختصون في واشنطن وأوروبا أن تزداد أزمة السعودية التي غاصت في حرب لا مصلحة لها فيها ضد اليمن لاسيما بعد فشلها في تحقيق أهدافها حتى الآن.
الكاتب السياسي (غولاوريا) في صحيفة (وول ستريت جورنال) رأى أن السعودية تدفع ثمناً باهظاً لسياستها وحربها على اليمن من دون أن يكون بمقدور واشنطن تبرير ماتقوم به من تدمير شامل لليمن , فقد ازداد الملف السعودي في الأمم المتحدة , وأصبحت ادارة أوباما تضيق ذرعاً بالإفراط الشديد للغارات السعودية على المدنيين إلى حد جعل أحد المسؤولين الأميركين يقول: إن واشنطن نفسها لاتستطيع عسكرياً القيام بما قامت به السعودية من تدمير واسع للبنى التحتية والمدنية اليمنية لأنها لاتستطيع تحمل مسؤوليته , ويعترف (لاوريا) أن واشنطن تجنبت القيام بحرب مباشرة على سورية بسبب مضاعفاتها السلبية عليها وبسبب عدم ضمان تحقيق أهدافها, على حين أن السعودية سارعت إلى الانتقال السريع إلى شن حرب مباشرة من دون أي حسابات لعواقبها على الداخل السعودي وعلى دول أخرى في المنطقة .
والسؤال المطروح حالياً « من الذي سيربح في حرب السعودية على اليمن؟». والجواب: إن الدولتين السعودية واليمن هما الخاسرتان مع شعبهما ومصادر ثرواتهما , وأنه ليس من المتوقع أن تنتصر السعودية وتحقق ماتريد في اليمن, بل إنها لن يكون بمقدورها تحقيق ماترغب داخل السعودية حين تنتهي هذه الحرب , أي أن السعودية ستدفع ثمناً باهظاً على الرغم من أنها تعتقد أنها تفرض ثمناً باهظاً بشرياً ومادياً على الشعب اليمني.