الذي لم يجد حرجا في تقبل كل ما جرى له من تكريم ومديح باعتباره رجل النشاط والتصميم والحيوية والتواضع وسيد الأمن وسيد العمل الاجتماعي وفقا للأوصاف التي أغدقها عليه من كانوا بالأمس القريب يقللون من شأنه ويبخسون من قدراته.
ربما موفاز نفسه لا يعلم بتوفر تلك الصفات لديه، كما وأننا لم نسمع بها أيضا من قبل حتى إعلان نتائج الانتخاب، حيث شهدنا أحد المعلقين ينبري ليذهب بعيدا في كيل المديح لموفاز لدرجة مقارنته بهاري ترومان.
ما إن انقضى يوم واحد على الانتخاب حتى سارع موفاز إلى الجدار الغربي لالتقاط صور تذكارية له وهو ممسك بحجارة الجدار ونظره يمتد في الأفق البعيد، ولم يتوان قبل ذلك عن وضع اكليل من الزهور على قبر تيودور هرتزل وكأن فوزه أصبح يمثل لحظة تاريخية لإسرائيل، خاصة وأننا لم نشهد منذ أمد بعيد صورتين بهذا الشكل تؤخذ في يوم واحد.
نتساءل إن كان موفاز قد هبط من عالم آخر في غفلة منا ومن ثم اكتشفنا وجوده بين ظهرانينا حيث أحيا في نفوسنا الأمل وأصبح بالنسبة لنا المرشد والمنقذ الوحيد الذي يمكن له تصحيح مسارنا السياسي وأخرجنا من المستنقع الذي غرقنا به لأمد طويل حتى كدنا نقتنع بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أصبح قدرنا دون أن يكون ثمة منافس له في الداخل أو الخارج وفي ضوء تلك الاعتبارات يظهر علينا موفاز ليأخذ صفة الرجل المنقذ في ظل الظروف القائمة.
ربما يتعين علينا أن نتذكر بأن موفاز هو ذات الشخص وذات السياسي الذي كان له نفوذ واسع على مر سنوات عدة، أعطانا خلالها انطباعا عنه بأنه شخص محدود الأفق وسلبي. وعلينا أن نعلم بأنه لم يصبح سوى رئيس لحزب يحتضر، وفقا لما دلت عليه نتائج استطلاعات الرأي التي تبين منها تدن واضح لشعبية هذا الحزب حتى بعد انتخاب موفاز الذي أصبح الزعيم الرابع له خلال ست سنوات وعلينا أن نتذكر تلك الأمور من أجل أن نفهم ما يعنيه التناسب بين عدد السنوات وعدد الرؤساء المتعاقبين عليه. وعلينا أن نعلم بأن الثناء الذي انصب عليه قد تركز حول «سلوكه العملي» الذي لم نجد به ما يمكن أن يضاف إلى شخصية هذا الرجل الضبابية. فهل سمع أحد منكم عبارة واحدة ذات أهمية تفوه بها موفاز؟ أو أنه تقدم بفكرة جديدة؟ وقد لا يكون ذلك بالأمر السيئ لكنه من المؤكد ليس بالأمر الجيد أيضا.
ننتقل إلى فكرة أخرى ألا وهي انتهازيته حيث قال في أحد الأيام عندما كان في حزب الليكود بأن هذا الحزب بيته، وما إن انقضت مدة وجيزة حتى غادر مبتعدا عن هذا البيت الأمر الذي لا يستحق عليه الإطراء والثناء، على الرغم من أن البعض يرى بهذا التصرف نوعا من البراغماتية.
لقد كان موفاز أحد وزراء الدفاع العتاة حيث عهد إليه تلك الوزارة إبان اندلاع الانتفاضة الثانية إذ قتل في عهده ما لا يقل عن 1705 أشخاص منهم 372 طفلاً ومراهقاً، و191 قتل باستهداف، وهذا الأمر لا يعطيه شرفا يمكن الاعتزاز به. وهنا لا بد من التنويه إلى أن موفاز كان احد المتبنين لمبدأ القتل المستهدف وقد سمعه البعض وهو يهمس بالميكريفون بقوله «ينبغي طرد ياسر عرفات من رام الله» ويبدو أن تلك الفكرة قد اعتبرها البعض إبداعا وعبقرية منه.
لقد قال موفاز لرئيس لجنة فينوغراد التي حققت في الحرب الثانية على لبنان:«ينبغي علينا أن لا نتورع عن الضرب بيد من حديد» ذلك القول الذي يعطي انطباعا عن عقيدته العسكرية ومذهبه السياسي، وربما يكون قد غير هذا الرأي لكن الأيام القادمة هي التي ستجلي لنا الحقيقة وفقا لواقعها.
إن خطة السلام التي طرحها قبل بضعة أشهر لا تختلف عن خطط السلام الإسرائيلية من حيث تجاهلها لحاجات وطموحات الجانب الآخر. بل إنها تؤكد بأن موفاز قد اتخذ ذات المسار. وفي الواقع، ما الذي يدفع به للتصرف بأسلوب مغاير، هل يمكن أنه يفكر بوقف الاحتلال ومن أجل ماذا؟ أما بالنسبة للقضايا الاجتماعية فإن تدخله بها يبقى أمرا مشكوكاً به، إذ يؤكد الواقع بأنه لم يسبق لنا أن شهدناه يسعى للإسهام في معالجة مثل تلك القضايا.
لاريب بأن انتخابات كاديما التي جرت في الأسبوع الفائت ليست في واقعها إلا استبدالا لجوارب بللها العرق بين جنود أنهكهم التعب وكل ما حدث هو خروج ليفني ودخول موفاز وربما تكون بلدة موفاز هي البلدة الوحيدة السعيدة بفوزه حيث تعقد الآمال عليه أما بقية المدن فإنها مسترخية تتثاءب وكأن الأمر لا يعنيها.
موفاز عليك أن تفاجئنا بأن لديك قدرات وامكانيات كامنة لأن الشك والريبة يتملكنا لجهة ما تحمله منها.
بقلم: جدعون ليفي