تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معوقــــات ثقافيــــة

حصاد الورق
الثلاثاء 10-4-2012
يمن سليمان عباس

ليس التعدد الثقافي بذاته هو الذي يعمل كمعيق للنهوض الثقافي بل إن طبيعة الثقافات وأسسها التي تنطلق منها هي التي تمثل العائق الحقيقي لتحقيق ذلك، فلو تأملنا الثقافات المنتشرة في المجتمع العربي سنجدها تحوي مجموعة من الأمور تقف عائقاً أمام تطورها أو اشتراكها في إطار معين،

فهي ثقافات تفرقة وانقسام لاتوحد، فأول مايشار إليه هو طابعها الميتافيزيقي كما يقول د. عبد الله الجسمي في مجلة العربي العدد /640/ بمعنى أنها ثقافات تفتقر إلى الواقعية وحبلى بمفاهيم غير واقعية، وإذا وضعت في سياقها التاريخي فإنها تمثل المرحلة التي سبقت الحضارة العلمية الحديثة التي قامت في أوروبا منذ عصر النهضة، وانتشرت في أنحاء العالم أجمع، فالقيم والمفاهيم السائدة في هذه الثقافات تقوم على أسس فئوية ونخبوية وتصنف الناس وتفاضل فيما بينهم بناء على معايير وهمية، وتجذر التمييز بين الأفراد وتعطي مكانة مميزة لفئة على حساب الفئات الأخرى في المجتمع.‏

وتتميز هذه الثقافات أيضاً بكونها تقوم على أسس ذاتية،أي الذات أو الأنا لا على أسس موضوعية، فهي تأخذ الطابع الشخصاني بحيث تشخصن الأمور ومجريات الواقع بطريقة تجعل من تفسيرها والنظر إليها ذاتية صرفة حسب الرؤية الخاصة لمن يراها، وتتضمن الثقافة القائمة على الذات إشكاليات عدة من أبرزها غياب استقلال الفرد، فالذات هنا جماعية حسب الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، وتقوم على قيم تأخذ صفة الإطلاق والتسليم التام بها ولامجال لنقدها أو تغييرها.‏

وهذا يقود إلى افتقاد تلك الثقافات للموضوعية والأدوات التي يمكن أن تحققها من طرق التفكير العقلاني والعلمي المجردة من الاعتقادات أو القيم المتحيزة، فغياب ذلك يجعل من الصعوبة بمكان إيجاد أرضية مشتركة من أصحاب تلك الثقافات من أجل خلق حالة من الاندماج في كيان سياسي كالدولة أو المجتمع.‏

وهناك مسألة مهمة تتعلق بالجوانب الفكرية التي تفتقر إليها تلك الثقافات فهي لاتقوم على أسس فكرية معينة يمكن مناقشتها ونقدها وتحليلها بطريقة منهجية، فمصدر الثقافات يأتي إما من العلاقة السابقة مع الطبيعة أو التشكيلات الاجتماعية المتباينة، وهذا بحد ذاته يخلق مشكلات جمة في التعامل الفكري معها، فغياب الأسس الفكرية للثقافة يقود إلى صعوبة تطويرها أو التجديد فيها، فالثقافات الدارجة سكونية الطابع مضى على العديد منها فترات زمانية طويلة ولاتزال تتوارث كما هي إن لم تزدد سوءاً مع تقدم الوقت، فهي غير قابلة للتطوير أو بالأحرى لايمكن أن تتطور كونها تنطلق من مسلمات غير قابلة للجدل ولا يوجد أمامها سوى خيار التعصب للمحافظة عليها في ظل التطورات الجارية في العالم، أو تواجه الخيار الثاني وهو الاندثار والخيار الأول مازال سائداً حتى الآن، لكن على المدى البعيد فمصيرها الخيار الثاني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية