تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خطأ إداري شائع.. تغيير المدربين.. الأدهى والأمر: اللجوء إلى الأجنبي المغمور.. وفي الوقت غير المناسب

رياضة
الثلاثاء 10-4-2012
هشام اللحام

التغيير بشكل عام سنّة الحياة، وهو (أي التغيير) يكون إما ذاتياً وإما من خلال الغير.. وفي كل الأحوال هناك إيجابيات وسلبيات للتغيير، وذلك بحسب الظروف المؤثرة.

ولو انتقلنا في كلامنا من العام إلى الخاص، ودخلنا عالم الرياضة الواسع، ثم توغلنا أكثر لنصل إلى كرة القدم اللعبة الشعبية والمجنونة فإننا نجد العجب عند الحديث عن تغيير المدربين.‏

وتغيير المدربين في الدول المتقدمة باللعبة يكون منطقياً ومدروساً، وبعد أن يُعطى المدرب الوقت والفرص، ولا يكون التغيير إلا عندما يكون لا بد من التغيير، أو بعد أن تستنفد كل الحلول ليأتي البديل فيما بعد بعد دراسة وتدقيق ومشاورات.‏

الحلقة الأضعف‏

بعد تلك المقدمة ندخل في صلب الموضوع الذي أردناه، ألا وهو تغيير المدربين في كرتنا، سواء على صعيد المنتخبات أم على صعيد الأندية التي يعكس تغيير المدربين فيها ضعف إداراتها فنياً وإدارياً، فإذا ساءت النتائج لأسباب مختلفة تتعلق بضعف الإمكانات المادية وقلة النجوم، وما إلى ذلك، فإن أول ما تتجه الأنظار إلى المدربين، ولعل المضحك أن إدارات الأندية التي تختار المدربين هي التي تعمل إلى إقالتهم ولو بعد شهر أو أكثر قليلاً، وكأن هؤلاء سواء كانوا جيدين أم لا، يحملون عصاً سحرية يستطيعون من حخالها التغيير في الأداء والنتائج ما بين ليلة وضحاها.. وهكذا يكون المدرب هو الحلقة الأضعف في السلسلة الرياضية، ليكون الضحية الأولى والأخيرة؟!‏

عقود المدربين‏

دخلنا أو أدخلنا الاحتراف إلى رياضتنا وتحديداً كرة القدم، ولكن العمل بعقلية الهواية لا يزال مسيطراً، ورغم كثرة الأمثلة إلا أننا سنتناول في هذه السطور عقود المدربين أجانب ومحليين، فالعقود عندما تبرم وخاصة مع المدربين الوطنيين فإن المنطق يقول أن يكون الاختيار صحيحاً كخطوة أولى، ومن ثم يجب أن يكون العقد واضح المضمون، أي أن يحدد فيه المسؤولية والمدة والأجر، إضافة إلى الشروط الجزائية بين طرفي العقد. واختيار المدرب أو إقالته يجب أن يكون من خلال خبراء ومشاورات وقرارات متفق عليها، لا أن يكون هناك اتصالات جانبية وصفقات مع شركات التسويق.‏

كما إن أي فكرة للتعاقد مع مدرب ما يجب أن تخضع لدراسة مالية، أي علينا أن نضع هدفاً محدداً نصب أعيننا، وذلك بحسب الميزانية والإمكانات المادية، وإذا كانت هذه الإمكانات ضعيفة، فمن الأولى الاتجاه إلى المدرب الوطني ودعمه، لأن المدرب الأجنبي عالي المستوى يكلف كثيراً جداً.. وإن وُجد قليل التكلفة فيكون منتهي الصلاحية!!‏

ما بين الوطني والأجنبي‏

لو أحصينا عدد المدربين الأجانب الذين عملوا في كرتنا (منتخبات وأندية) فإن العدد كبير ومن الصعب إحصاؤه.. ولكن لو سألنا: كم من المدربين الأجانب الذين بصموا ونجحوا في ملاعبنا؟ والجواب طبعاً سهل جداً وهما اثنان فقط، أناتولي الذي قاد منتخبنا إلى ذهبية المتوسط وفضية كأس العرب، وأناتولي الآخر الذي حقق مع شبابنا كأس آسيا.. والبقية لم يقنعوا وإن حقق بعضهم إنجازات محلية، فالإنجاز المحلي يمكن أن يحققه أي مدرب.‏

وبالمقابل هناك عدد من المدربين الوطنيين الذين تفوقوا داخلياً وخارجياً، ونعرف أن كل من دخل هذا المجال اتبع دورات تدريبية مختلفة، والدورات رغم ضرورتها وأهميتها ليست كافية أو ليست أساساً لتقدم مدربين أكفاء، فمع الشهادة يجب أن تكون هناك موهبة وذكاء وشخصية وقدرة على القيادة، وحسن قراءة للمباريات، وغير ذلك من المواصفات.. وبالطبع نملك مدربين بهذه المواصفات نذكر منهم الكابتن نزار محروس الذي قاد فريق شباب الأردن إلى عدة ألقاب أهمها كأس الاتحاد الآسيوي، ودرب محلياً وحقق أكثر من إنجاز مع الوحدة والجيش، وهناك محمد قويض الذي درب وتميز في لبنان مع العهد ومع المنتخب إضافة إلى الكرامة محلياً.. وهما الآن في العراق تأكيداً لخبرتهما ونجاحهما.. وهناك آخرون قادورن على العمل والنجاح فيما لو وجدوا الدعم كالكابتن محمد جمعة، وياسر السباعي، وأنور عبد القادر وعماد دحبور ومروان خوري وغيرهم..‏

إذاً لماذا نتجاهل الوطني ونأتي بالأجنبي المغمور؟ ولماذا ندفع الكفاءات للهروب أو الاعتذار لتخلو الساحات للآخرين؟! لماذا تكون مشكلاتنا في التغيير مضاعفة، الوقت غير المناسب، والأدهى مدرب أجنبي بديل ومغمور؟!‏

الدعم التاريخي‏

بحثنا في الأرشيف وعدنا إلى الوراء لنتذكر تاريخ منتخباتنا مع المدربين، وقد وجدنا أن هناك تجربة وحيدة يمكن القول إنها جيدة من حيث المبدأ، ونقصد إعطاء الفرصة للمدرب الوطني ودعمه والحفاظ على استقرار المنتخب أطول مدة ممكنة. هذه التجربة كانت في أيام اتحاد الدكتور أحمد جبان قبل نحو سبع سنوات، حيث تم تكليف الكابتن فجر إبراهيم وبقي مدرباً حوالي خمس سنوات.‏

هذه التجربة كانت جيدة كما قلنا من حيث المبدأ، لكن الانتقادات حينها كانت تحديداً حول تكليف فجر بهذه المهمة الكبير وهو بلا أي خبرة أو تاريخ تدريبي يشفع له. ومع ذلك بقي هذه المدة الطويلة لأن الاتحاد آنذاك دافع عن قراره من جهة، ولأن الأسماء الكبيرة محلياً كانت إما مرتبطة بعقود تدريبية خارجية، أو إنها آثرت الابتعاد لقناعتها أن المدرب الوطني لا يجد الدعم الكافي (المعنوي) تحديداً لعمله.. مع التذكير أن أي مدرب أجنبي جيد سيكلف مبالغ باهظة. وقد كان هناك محاولة أو مساعي لدخول إحدى الشركات الاقتصادية كشركة راعية للمنتخب، حيث تؤمن هذه الشركة جميع نفقات مدرب عالمي، وقد اختير آنذاك الإيطالي كابريني، مع نفقات المعسكرات الداخلية والخارجية ورواتب اللاعبين، مع خطط ووعود أن تكون نهائيات كأس العالم عام 2014 هدفاً.. ولكن للأسف المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي آنذاك وضع العراقيل ومنع هذا المشروع الحيوي المهم.‏

أبرز التغييرات وأغربها‏

ونعود إلى سجلات منتخباتنا الوطنية لنجد أن أغرب حالات تغيير المدربين كانت ثلاث، الأولى كانت في تصفيات كأس آسيا عام 2003.‏

وفيها كان المدرب البولندي فوجنيك مدرباً وكانت النتائج سلبية، فتقرر تكليف المدرب الوطني نزار محروس وكان عضواً في اتحاد كرة القدم كإجراء إسعافي، ولعب المنتخب معه مباراة واحدة خلال خمسة أيام من عمله، وكانت الخسارة أمام الإمارات (1/3)، لكن المحروس تعرض لنقد غير موضوعي، وشعر أن هناك من يعمل على وضع العصي في العجلات فآثر الابتعاد واستقال. علماً أنه عمل لمدة أسبوع فقط؟!‏

المرة الثانية كانت في عام 2010، وبعيد استلام فاروق سرية لمهمته رئيساً للاتحاد، استطلع آراء الإعلام.. وكان يعلم أن الإعلام عموماً ضد استمرار فجر إبراهيم مدرباً مع اقتراب المنتخب من نهائيات كأس آسيا.. وكان هذا غطاءً لقرار إبعاد فجر. ولكن هذا الإجراء افتقد للتخطيط السليم، فالبديل لم يكن جاهزاً، ما اضطر إلى تكليف المدرب الوطني أيمن الحكيم بعد أخذ ورد مع الصربي ميلان جوكوفتش الذي غادر أو لنقل هرب بعد أن قبض نحو مليوني ليرة خلال أقل من شهر عمل به مع المنتخب؟!‏

استلم الحكيم وعمل مدة لا بأس بها، ومع اقتراب موعد النهائيات، وقبل نحو عشرة أيام من البداية كان هناك من طبخ وعمل على وصول الروماني تيتا من نادي الاتحاد، ليكون ذلك على حساب المدرب الوطني من جهة، وقبل أيام قليلة لا يمكن أن يفعل معها أي شيء. ومع ذلك فرض تيتا وكان مع المنتخب في كأس آسيا في الدوحة عام 2010.. وبقي استقدام تيتا ثم تركه لغزاً؟!‏

أما المرة الثالثة فكانت ما بين اتحاد فاروق سرية الذي سقط في الصيف الماضي، وبين اتحاد صلاح رمضان (الاتحاد الجديد)، والقاسم المشترك هو البرتغالي ألميدا.. وألميدا أتى به السرية وعمل مدة من الزمن، لكنه بعيد بدء التصفيات الأولمبية ترك المنتخب بحجة ضغوطات تعرض لها لمغادرة سورية.. وغاب ألميدا أشهر ليظهر من جديد وبشكل مفاجئ للجميع قبيل بدء دور الملحق في التصفيات الأولمبية، وطبعاً لم يكن ألميدا مفاجأة لاتحاد الكرة الذي كان على اتصال معه خلال الفترة السابقة.. ولكن ما حدث أن أتى ألميدا ووضع شروطه، ليحل مكان المدرب الوطني هيثم جطل الذي آثر الابتعاد حفاظاً على كرامته، وإن قال اتحاد الكرة إن مكانه محجوز ومحفوظ بوجود ألميدا؟!‏

هذه التغييرات الغريبة لها تفسيران لا ثالث لهما، الأول جهل بأصول التغيير وهذه زلّة لاتحاد الكرة. والثاني تأويلات في الخفاء عن صفقات وسماسرة كما يقول البعض، وهذا يتطلب من اتحاد الكرة توضيحاً وصراحة، وإذا كان الكذب ينجي فإن الصدق أنجى وهذا مثل أو حكمة نعرفها منذ الصغر!!‏

التغيير المنطقي‏

في المقدمة قلنا إن التغيير شيء طبيعي، بل في بعض الأحيان لا بد منه لأن فيه التجديد، وهذا يكون بعد سنوات يؤمن فيها للمدرب كل ما يطلبه.. وإذا ما ساءت النتائج يأتي التغيير إما حلاً إسعافياً، أو لإحداث صدمة معنوية في الفريقه، ويرافق هذا الإجراء إذا كان الوقت ضيقاً، عمل على الروح المعنوية لدى اللاعبين، أما إذا كان هناك متسع من الوقت فهذا يخفف من الأزمة، ويكون أمام المدرب البديل الوقت الكافي لإجراء ما يلزم.. وهذا الأمر حدث عام 2008 عندما قام اتحاد الدكتور أحمد جبان بإقالة المدرب فجر إبراهيم وتكليف الكابتن محمد قويض في بداية تصفيات كأس العالم 2010، وكان المنتخب وقتها قد لعب مباراتين تعادل فيهما مع إيران والإمارات، ولم يقدم ما يقنع، وكان هناك نحو شهران ونصف للمباراة التالية.‏

كرتنا والأخطاء الشائعة‏

تذهب كرتنا في معظم الأحيان ضحية أخطاء شائعة إدارية بالدرجة الأولى.. ولعل العقلية التي تسيطر على العمل هي السبب، فالعمل المؤسساتي شبه غائب، والعلاقات الشخصية هي التي تحكم في تقريب البعض وإبعاد آخرين.. ويزداد الأمر سوءاً مع دخول شخصيات ضعيفة إلى اتحاد الكرة، هذه الشخصيات التي همها الحضور الشرفي فقط، تجعل الرئيس ونائبه يتفردون بالقرارات، فيما على الآخرين إعلام الموافقة ورفع الأيدي..‏

طالما ضاعت الجهود والآمال بأخطاء إدارية يرتكبها أشخاص لم يكونوا في المكان المناسب، ضاعت جهود وآمال بسبب عنجهية البعض وإصرارهم على العمل الفردي إنطلاقاً من مصالح شخصية.. وما بين تغيير مدربين سلبي وأخطاء أساسها الجهل الإداري ضاعت كرتنا.‏

آخر خبر‏

ونحن نعدّ هذه المادة وصلنا خبر يتعلق بالقصة ذاتها، ففي نادي الشرطة يفكرون بتغيير المدرب فجر إبراهيم واستعادة الروماني تيتا، فجر حقق مع الشرطة نتائج جيدة محلياً وكذلك آسيوياً وإن كان الرأي بأن النتائج آساسها اللاعبون المميزون، وأن هناك ملاحظات كثيرة على الأداء الذي لا يوازي النجوم والإمكانات التي نعم بها الفريق.‏

رغم هذا فإن الخطأ في رأينا التغيير لسببين، الأول أن البديل أنهى تجربة فاشلة تماماً مع نادي الشارقة، والسبب الثاني أن التغيير قد لا يؤدي إلى نتائج إيجابية، وبالتالي من الأفضل الحفاظ على الاستقرار.‏

النقاط على الحروف.. وكفى‏

أخيراً وفي الختام نقول لا بد من وضع النقاط على الحروف، ويكفي كرتنا ما أصابها من هزات وصدمات.. يكفينا ضياع جهد ومال وآمال ووضع النقاط على الحروف يبدأ من تحديد الهدف، أي هل نريد منتخبنا قوياً منافساً؟ وإذا كان الجواب بنعم كما هو مفروض، فلا بد من تحديد ميزانية مناسبة واختيار مديرين فنيين على أعلى مستوى وطنيين أو أجانب مع تأمين كل مستلزمات النجاح.‏

كذلك لا بد من متابعة إدارية دقيقة حتى لا نقع في أي مشكلة.‏

ولا بد من الصراحة والصدق والوضوح وخاصة مع الإعلام، حتى لا تفقد الثقة بين أطراف اللعبة.‏

ونرجو ألا نكون مع قصة فشل جديدة لكرتنا سببها الاستهتار والعبث والفوضى وعدم الإحساس بالمسؤولية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية