تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مشاهد يومية في تفاصيل عاصمة المقاومة

بيروت
تحقيقات
الاربعاء 16/8/2006م
خولة غازي

الحركة بين الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق ضعيفة لأنها مهددة دوماً بالقصف, ولم يكن سهلاً إقناع أي سائق بالدخول اليها, وكثيرون منهم تذرعوا بغلاء الوقود, بينما استغرب أحدهم طلبي قائلاً: شو, وين رايحة!! هلق بتشيلك قذيفة من محلك.. لكني وقعت أخيراً على السائق يونس مصطفى ضيف الله, وهو من سكان الضاحية الجنوبية ( بير العبد) ووافق على مرافقتي في جولتي.

‏‏

من جسر العادلية مروراً بشارع سامي الصلح حتى مستديرة الطيونة, كان الوضع عادياً والأجواء طبيعية كما هو الحال في بقية الأيام ولا ينغصها إلا أصوات الانفجارات التي تهز الجدران والتي كما قال لي البعض, اعتاد الناس عليها,‏‏

أما إذا سلكتم طريق صيدا القديمة وتحديداً بعد الطيونة بمئتي متر فستشاهدون على اليمين بيروت مول الذي تحول الى مركز لاستقبال المهجرين بعد أن كان مقرراً افتتاحه هذا الصيف, وخلفه تماماً ستجدون من يحدثكم عن المكان الذي وقعت فيه مجزرة الشياح الرهيبة التي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى وإذا ألقيتم على المكان نظرة عابرة فستلاحظون أن الحركة فيها شبه معدومة بعد أن كانت تعج بالناس والضيوف قبل شهر واحد ويذهب بعض سكان حي الشياح الى ان الطائرات الاسرائيلية استهدفت إحدى البنايات بعد وصول معلومات الى القيادة الاسرائيلية بأن هناك اجتماعاً لقادة حزب الله فيها, وثمة من يرجح أن الضربة جاءت رداً على تشدد الرئيس بري لأن هذه المنطقة محسوبة على حركة أمل, لكن الواضح تماماً أنه ليس هناك أي مظهر مسلح في تلك المنطقة.‏‏

‏‏

باتجاه تقاطع كنيسة مارمخاييل كان الطريق بيروت - دمشق قد تلقى قذيفة تركت فيه حفرة عمقها حوالي الأربعين مترا غيرت ملامحه وجعلت الغبار يسيطر على المكان وأضاف القصف روائح أخرى على المكان بعد أن استهدفت سيارات ومبان وأخيراً كراج للشاحنات اعتقد الاسرائيليون أن المقاومة تتزود عن طريقه بالذخيرة, وإمعاناً في قطع طريق بيروت دمشق استهدفته الطائرات ايضاً من جهة غاليري سمعان وقطعته فعلاً, إلا أن بلدية الغبيرة قامت بجهود جبارة لترميم ما دمره القصف, فأمنت المياه والكهرباء وأصلحت خطوط الهاتف وعبدت الطريق بقدر المستطاع وعموماً دمر القصف كل الأبنية التي توجد فيها مراكز التموين ومستودعات الأدوية وكل ماله علاقة بالخدمات الحيوية وكان الهدف من ذلك على ما يبدو تأليب الناس على المقاومة.‏‏

الدمار في شارع معوض مرعب وقاس, فبعد أن كان هذا الشارع سوقاً شهيراً تتزاحم فيه المحال التجارية وتلمع على جنباته أشهر الماركات العالمية تحول الى منتزه للقطط الشاردة وأصبحت منازله ملعباً للريح تصفق أبوابه المهجورة.‏‏

لكن من وسط القفر واليباب, انبثق فجأة شبان راحوا ينادوننا برفق وتهذيب واستفسروا عن سبب الزيارة أحدهم عندما علم أنني إعلامية سورية رحب بي وراح يدلني على الأمكنة التي تعرضت للقصف وعند اقترابنا من المربع الأمني ,نبهني الى أن هذه المنطقة مستهدفة وأنها قد تتعرض للقصف في أية لحظة , لاسيما أن صواريخ المقاومة كانت قد سقطت في حيفا منذ لحظات, وفعلاًَ لم تكد تمضي نصف ساعة على مغادرتي المكان حتى سمعت أصوات الانفجارات والقذائف المنهمرة على الضاحية.‏‏

ويبدو أنني لم أكن الوحيدة التي استفسر الشبان منها عن سبب زيارتها فكل من يدخل الضاحية يسألونه عن ذلك ويرافقونه حفاظاً على ممتلكات الناس وكإجراء وقائي ضد عملاء محتملين, وروى المواطن حسن عمار أحد قاطني الضاحية كيف ذهب ليتفقد منزله إثر قصف المنطقة ليلاً وكيف استوقفته مجموعة شبان قرب مجمع سيد الشهداء ونصحوه بالعودة حفاظاً على سلامته, إذ إن هناك قذائف ربما لم تنفجر بعد, وأضاف عمار أن طائرات الاستطلاع (ام كا) تجوب الأجواء باستمرار وتراقب كل شيء وهي مزودة بصاروخ ضد الأفراد والسيارات لاستهداف من تشتبه بهم, ويعتبر كل من في الضاحية بشراً وحجراً هدفاً لها.‏‏

‏‏

‏‏

طريق عودتنا كان من بئر العبد المشرفية, وما إن انعطفنا يساراً نحو الغبيرة حتى تبدى لنا أول جسر قصف في بيروت جسر المطار, ثم اتجهنا يميناً نحو شاتيلا البربير مروراً بمقبرة شهداء فلسطين, وخلت بعد تجاوز جسر البربير أنني في عالم آخر, عالم يعج بالحركة والحياة وأبواق السيارات والباعة الجوالين وعلى رأسهم باعة الفستق الحلبي الذين يحاسبون الزبون على الحبة, فيحتسبونها من الوزن إن تذوقها, ولما سألت أحدهم عن مصدر هذا الفستق, أجابني أنه من إيران.. ولا أدري إن كانت إجابته من باب المزاح لاسيما بعد أن عرف أنني سورية..‏‏

مما تتكون الضاحية?‏‏

تمتد الضاحية الجنوبية على مساحة عشرة كيلو مترات مربعة تقريباً, ويحدها من الشرق الحدث وبعبدا ومن الغرب الأوزاعي ومن الجنوب الشويفات وخلدة ومن الشمال بيروت وتتألف من عدة بلديات هي الغبيرة والشياح وحارة حريك والمريجة وبرج البراجنة.‏‏

قيل لي إن سكان الضاحية لا يدفعون فواتير مياه وكهرباء, لكنني بعد اختلاطي بهم اكتشفت أنهم يدفعون علاوة على ذلك الرسوم البلدية, مع أن هناك مناطق بلدية غير موجودة بالمعنى الإنمائي والخدماتي, بل إن حسين أحمد أحد سكان المريجة أخبرني أنه تلقى فاتورة بالرسم البلدي السنوي مكتوب عليها ( بدل مجاري وأرصفة وحراسة وكناسة) رغم أن الطريق غير معبدة وموحلة في الشتاء.‏‏

ما هو المربع الأمني?‏‏

كان اسمه الشورى قبل أن توجد فيه الأمانة العامة, وهو منطقة لا يدخلها إلا عناصر حزب الله أو عناصر أمن الشخصيات وجميع الطرق المؤدية إليه موصدة ببوابات حديدية ومزودة بأجهزة إنذار وأجهزة تصوير, وكان يحتوي حوالي الأربعين بناءً, لكنه تحول الان الى ركام أنقاض, ويحتاج الدخول اليه الى إذن مسبق ولا يعطى إلا للصحفيين والهيئات الانسانية وسكان المنطقة, وقد نظم حزب الله جولات إعلامية لإطلاع العالم على ما فعلته اسرائيل من تدمير.‏‏

في مدرسة المقاصد الخيرية‏‏

جميع مناطق بيروت افتتحت مدارسها ومراكزها لاستقبال المهجرين ومنها مدرسة المقاصد الخيرية. دخلت الى إحدى غرفها فوجدت رجلاً تجاوز الستين يضع مذياعاً على أذنه ويستمع الى أغنية (الله فوق كيد المعتدي) كان جو الغرفة يوحي بعدم الاستقرار فهي تضم أفراد عائلته الستة, أخبرني أن اسمه محمد فرحات وهو من بلدة برعشيت قضاء بنت جبيل. قال لي إن قريته ضربت منذ اليوم الأول للحرب وسقط فيها شهيدان هما رجل وابنته الصغيرة مضيفاً أنهم صبروا تحت القصف أحد عشر يوماً, اضطروا بعدها الى الخروج لأول مرة من منزلهم, وعندما وصلوا بسيارتهم الى صور, اضطروا الى استئجار سيارة اخرى ووصلوا الى بيروت عن طريق الجبال. ويذكر فرحات أنه كان موظفاً في مصلحة الكهرباء ولم يتوقف خلال كل الحروب التي خاضها الجنوب عن خدمة الأهالي, بل إنه تلقى تهديداً في إحدى المرات من الاسرائيليين المشرفين على التلة, لكنه لم يستجب له, فأصابوه في ظهره وقدمه اليسرى.‏‏

أما السيدة أميرة شهاب من برعشيت أيضاً فتؤكد أن الحجر يعوض والمهم أن تبقى الأرواح متذكرة كيف جاءت تحت القصف على طرق ترابية لأن جميع الطرق كانت مستهدفة ومقطوعة, مشيرة الى أن منزلها تهدم عام 1982 ومع ذلك لم يستطيعوا كسر إرادة المقاومة واعتبرت أن سورية حضن لأهل الجنوب ولو وجدت طريقاً إليها لتوجهت نحوها.‏‏

بينما كان عدنان خلف من حارة حريك في الضاحية يقول إنه لا شيء يخرجه من بيته إلا الصاروخ, فإنه يعترف الآن أن من أخرجه هو صاروخ وقع على منزله. كان هو وأخوه وأخته في المنزل عندما استهدف الصاروخ بناء من عشرة طوابق شقه نصفياً ووقع على ساكنيه ولايعرف كيف أنقذ أخويه ونجا معهما, مضيفاً أن القصف يستهدف كل شيء في الضاحية بما في ذلك المؤسسات الخيرية مع أنه لا يوجد أحد مسلح فيها.‏‏

في مشفى الزهراني‏‏

شاهدت فيها عائلة بأكملها مصابة من بلدة الطيرة بقضاء جبيل. وأخبرتني السيدة منتهى جعيتو البالغة من العمر 38 عاماً أنهم هربوا الى الضيعة عندما بدأ القصف لأنها منخفضة لكنه اشتد فصعدوا الى منزل فيه ملجأ ضم حوالي الخمسين شخصاً, وقرروا الخروج منه بعد أن انقطع عنهم الماء والكهرباء, فجاؤوا بسيارة فان ركب فيها حوالي الخمسة عشر شخصاً منهم ثلاثة سوريون, أحدهم استشهد وكان يعمل بستانياً, وتعود جعيتو بذاكرتها الى يوم 23 تموز الساعة العاشرة صباحاً لتقول :كأنني طلبت من ابنة خالتي أن تهتم بالأولاد وأنهم أمانة في رقبتها, فركض ابني ولفني قائلاً إن الصليب الأحمر سيصل قريباً, كنت قد استعدت وعيي ورأيت ابنتي ,,, وعيونها متورمة وخدها مجروح وباقي أبنائي بجانبي. خلع ابني قميصه الأبيض وصار يلوح به بناء على إرشادات سمعها من التلفزيون الاسرائيلي, وكنا قبل ذلك علقنا أعلاماً بيضاء أخرى, ولكن من يصدق اسرائيل? استشهدت أمي وصهري, ولم يستطع الصليب الأحمر إنقاذ أحد إلا بعد تسعة أيام, أما نحن فأنقذنا ابن خالتي الذي لم يفقد وعيه.‏‏

بعد تعرضنا للقصف, ونحن بحالة يرثى لها, مرت سيارة أمم متحدة فيها جنسيات مختلفة ومعهم اسعافات, وتوقفت بجانبنا, وراحوا يلتقطون صوراً لنا , وعندما استنجدنا بهم رفضوا مساعدتنا وتابعوا طريقهم.‏‏

فوزية أسعد ياسين مواطنة سورية من دير الزور مصابة بحروق ناشدتني أن أوصل رسالة عبر جريدتنا الى أهل شاب سوري من بلدة الرفيعة بقضاء حلب اسمه محمد زكوان الشيخ وعمره 27 عاماً استشهد في سيارة الفان وكان يعمل لدى الحاج رؤوف جعيتو وجثته موجودة الآن في مشفى صور الحكومي.‏‏

مصادفة‏‏

ستة صواريخ استهدفت منزل السيدة نبيلة عبد الله سنو في حارة الناعمة, فأصيب زوجها في رأسه ولم يعد قادراً على الكلام,أسعفه ابنه العامل في الدفاع المدني الى المشفى دون أن يعرفه, إذ كان ملفوفاً على أساس أنه استشهد لكن الابن سرعان ما تعرف عليه من حذائه في الإسعاف فقبل القصف بنصف ساعة كانا يشربان القهوة سوياً, وتمدد الأب على السرير, فسأله الإبن : شو بابا لابس حذاء جديد الذي اشتراه حمودة.. نجحت العملية التي أجريت للأب وأنقذ وهو بانتظار السفر الى اليونان لاستكمال العلاج.‏‏

عتب أم استهجان?‏‏

لا أدري إن كان يحق لي أن أختم مشاهداتي لبعض المظاهر التي واجهتني في بيروت, دون أي سبب, سوى أنني سورية. كنت أقول في سري لعل هؤلاء القلة القليلة لا يشاهدون محطات التلفزة, فيظنون أن سورية هي التي تشن الاعتداء على بلدهم وليس اسرائيل.. فعندما اتصل المسؤول الأمني في مشفى الزهراني طالباً من أحد الأطباء مرافقتي في جولة, رفض هذا الأخير ولما طلبت منه تفسيراً, رفض التعليق, فخفف المسؤول الأمني من ألمي قائلاً: لا تهتمي فأنت بين أهلك.‏‏

وفوق ذلك تستغل بعض وسائل الاعلام اللبنانية أي شائعة وأي أكذوبة لتسوقها وتروج لها, لهذا عمدت الى متابعة ما تبثه إحدى محطات التلفزة اللبنانية عن سوء البنزين السوري, وأنه غير صالح للسيارات, وفوجئت أن الجميع ينفون ذلك, بل إن السيد محمد عيسى تأسف لهذه الشائعة مؤكداً أنه استخدم هذا البنزين قبل يومين وأنه أنظف بكثير من البنزين الذي يأتي عادة الى لبنان وتساءل: لماذا لا يفرج وليد جنبلاط عن البنزين المخزون في شركة الكوجيكو التي يملكها?!!‏‏

عموماً, سمعت خلال مكالمة هاتفية مع أحد الزملاء أن سورية عمدت الى تقنين الكهرباء لتمديد العون الى لبنان الشقيقة ورغم كل شيء, ستظل لبنان شقيقة, ولن يستطيع أصحاب المصالح الصغيرة والضيقة أن يثيروا إلا الاستهجان من تصرفاتهم وأفعالهم لأن عروبة لبنان كما قال رئيس حكومته, هو قدر وليس اختياراً.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية