والمعجزة أنهن مجرد نساء عاديات مادخلن معترك السياسة مثل غونداليزا رايس , ولامارسن ايديولوجيا الخطابة , وربما - بعضهن- لم تدخل قط في مدرسة .
لا لسن مجرد وجوه عبرت شاشات التلفزة بين فينة وأخرى .. بل ارتقين عفوياً إلى عناوين كرامة اجتاحت كيان المشاهد العربي , لتتوغل بعيداً في صميم الذاكرة, فنستحضرهن واحدة تلو الأخرى ونحن بصدد الحديث عن آلام مخاض حرب الشرق الأوسط الجديد, هذا المخاض الذي عانت منه المرأة في جنوب لبنان الكوارث والويلات , وبالرغم من علقم جراح الثكلى ومرارة التشرد ودرب وآلام التهجير , أطلت علينا عبر الفضائيات لتلتمس إحداهن - عدوى الكرامة- من عباءة نصر الله, وتفتقد - أخرى- مروءة العرب أمام شهامة تشافيز , وتقدم ( ثالثة) وحيدها في معركة الوجود أو اللاوجود , وتنذر ( رابعة) جنينها الذي ولد تحت قصف العدوان لاستمرارية نهج المقاومة.
من هن ? ومن أين منبتهن ? وإلى أين مسارهن في صراع أزلي - أبدي من أجل البقاء ? إليكم هذه اللقاءات :
نحمل على الراح أكفاننا
نحن أمهات هذه الأرض, وجذورها شراييننا التي لا يفصدها غير الموت , ومسارنا إلى تحقيق الشهادة أو النصر - في مسيرة كفاح نحمل فيها على الراح أكفاننا - فعندما يكون الوطن محتلاً , لا معنى للحياة, وتصبح الشهادة مطلباً ملحاً من أجل الحياة .. حياة أبنائنا الذين لن يسكتوا على الذل , ولن يناموا على هوان.
هكذا أجمعن , وأنا أتحدث إليهن , فور وصولهن إلى فرع الهلال الأحمر بدمشق .. كانت عباراتهن الجنوبية البسيطة , تسبق عبراتهن التي تساقطت على فراق أزواج وأبناء وآباء وإخوة تركوهم يقاومون في الجنوب وبعضهن قالت لي ( مارح نركع) واكتبي ما تبقى وصيغيه عن لساننا كما تشائين ..
فأنت صحفية ومهنتك تنميق الأحاديث.
وفي الحقيقة أنا عجزت عن نقل العبارة من ثقل ما حملت من معنى وكلما كبر المعنى-ضاقت العبارة- فكيف السبيل مثلا إلى نقل الوميض الذي يشع في عيون ما انكسرت بذل الهزيمة أو ترجمة ما ينبض في القلوب من روح تتحدى - الميركافا- التي ارادت اجتياح الجنوب فوجدت ( حطامها) بين جملة القتلى والجرحى والأسرى رفاتا ينقل مع جثامين العدو..
أليس فيما تقوله هذه النساء على بساطته وعفويته وتلقائيته - نصر- نعم نصر بلا ايديولوجيا أو خطابات نسجلها بعدما تضع الحرب أوزارها للمرأة حصرا في الجنوب..
يؤازره نصر آخر نسجله لحضورها الاعلامي غير المدبلج أو المؤدلج على شاشات التلفزة فها هي سليلة خولة والخنساء تقول عندي سبعة أولاد استشهد منهم ( ثلاثة) وأتمنى لو كان بقيتهم في سن يسمح لهم بالتجنيد لأرسلتهم بلا تلكؤ إلى المقاومة نعم فحين تستهدف الأوطان. ترضع النساء الأولاد مع حليبها نسغ ( المقاومة) ملاذا ,ومخرجا, وسبيلا , إلى الحياة الكريمة وهذا ما لم تستطع ترسانة العدو تدميره فها هو الموسيقي الاسرائيلي جيلاد اتزمون يعلن من موقع: Infrmation cgearing Hous
إنه: ( كلما ازدادت المذابح في غزة أضحت حماس أكثر قوة وكلما القيت المزيد من القنابل على مطار بيروت انضم المزيد من الشباب إلى حزب الله).
ولا أدل على ذلك من فاطمة فوعاني وهي مجرد سيدة بسيطة التقيت بها في أحد مراكز الايواء وهي على وشك الوضع في ولادة من تحت الحصار اذ قالت بعد أن اطمأنت من الطبيب المشرف على ولادتها بأن جنينها لا يزال حيا...
( إني انذره منذ هذه اللحظة للمقاومة) وإن العديد من السيدات - كما علمت من اكثر من مشفى للتوليد- قد اخترن لوليدهن اسماء تحمل بذور هذه المقاومة وكينونتها.
ففيروز محمد مثلاً أطلقت على وليدها اسم ميلاد نصر الله وعديدات سواها أطلقت على وليدها اسم (رعد) واللافت في التغطية الإخبارية للحرب السادسة على حد تعبير زميلنا الصحفي خالد مجر (عدد السيدات الذي بات موازياً إن لم يكن أكثر في بعض المراحل من الرجال, ولم يكن أقل كفاءة بل كن على مستوى الحدث تماماً. الصلابة ذاتها. والرأي المباشر الواضح, والصريح جاهز للانطلاق من الجميع..)
جميع هذه النقاط نسجلها للمرأة في استراتيجية الحرب السادسة.
وكأن دورها تخطى تطبيب الجرحى وتنظيم الملاجئ وتحضير المؤن في الخطوط الخلفية إلى تطبيب الرأي العام وإثارة النخوة واستنهاض رفات العروبة من تحت أنقاض منزلها الذي تهدم على رأس أحبائها ,في هذه اللحظة بالذات ليجد الجميع أنفسهم أمامها صغاراً وهي تلقنهم أول أبجديات الصمود بالتمسك بالأرض مهما عاث فيها- المفسدون- تقتيلاً وتدميراً.
إنه على حد قول الاستاذ الكبير برهان بخاري منطق البقاء بقوة الأشياء هذه القوة التي لا تخرج من قمقمها من دون مقاومة يفرضها العدوان كنتيجة حتمية على الشعوب.
فالميدان هو الفيصل وفي المعركة تقول (أم النور) وهي زوجة لمقاوم, وأخت لأخر استشهد وأخر مازال في الجنوب يقاوم, يصبح المقاوم هو الخصم والحكم, فما نفع ما يجري وراء الكواليس السياسية, وفي أروقة الأمم المتحدة, تجاه صاروخ خيبر بمتواليته العددية الذي يستهدف اليوم تل أبيب كما يستهدفون في حرب العواصم بيروت ,فالصواريخ أصدق أنباء من بوش وأولمرت وبلير ومن لف لفيفهم, بعد أن صححت المقاومة المعادلة مقابل كل قذيفة- صاروخ والجندي -بجنود والأسير بأسرى وفروسية المعركة أن تقف لخصمك الند للند,وليس أن تهرب من أمامه لتنفس هزيمتك بضرب المدنيين العزل الآمنين وتضيف أم بدر الدين القول أخيرا:لايعرف قيمة الأمن ,إلا من فقده وعاش حياته وأيامه خائفا مذعورا,ولا نشك جميعا ان حديث الناس في كل أنحاء الدنيا في هذه الأيام عن (الحرب والسلام).
ما يشير إلى خوف الناس وقلقهم على حياتهم في وقت تتسابق فيه كثيرمن الدول في صنع أسلحة الدمار الشامل,ويهدد بعضهم بعضا,ونحن كنساء أحوج مانكون إلى الأمن والسكينة لنؤدي واجبنا على أكمل وجه, فالمرأة في الحرب تضحياتها مضاعفة إذ تقدم الأب والأخ والزوج والابن وجميع هؤلاء هم من يعيلها,فكيف تفعل إذا فقدت الوطن والمعيل فما أحوجنا والحال كذلك إلى الاعتصام بحبل الله جميعا حتى ينتشر الأمن والأمان,وتصان الحقوق والحرمات ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..