حتى العام ١٩٣٧، كانت الأراضي التي تشكل اليوم الهند وباكستان وبنغلاديش تسمى الامبراطورية البريطانية في الهند، وفي العام ١٩٤٧ منح البريطانيون الاستقلال لأراضي هذه الامبراطورية الكولونيالية مقابل تفجر العنف بين الهندوس والمسلمين في المنطقة أي كانت التجزئة هي الخيار الذي تم اتخاذه وفي الخامس عشر من آب من ذلك العام نشأت دولتان الهند بغالبية هندوسية والباكستان المسلمة، غير أن كشمير المنطقة الواقعة على الحدود بين البلدين الجديدين رفضت الخيار بينهما وآثرت الاستقلال لتشكل منذ ذلك الحين برميل بارود قابل للاشتعال في أية لحظة حيث شهدت صولات من العنف على مدى سبعة عقود لا مجال لذكر وقائعها وضحاياها، لعل من أبرزها ما حصل في العام ٢٠١٨ إذا كان أكثر دموية من الأعوام السابقة حيث قتل ستمائة شخص وفي الرابع عشر من شباط ٢٠١٩ تم استهداف قافلة عسكرية هندية بسيارة مفخخة في كشمير مات فيها أكثر من أربعين شخصاً.
الهنود العسكريون الذين يبلغ عددهم سبعمائة ألف في كشمير ينظر إليهم كقوة احتلال أكثر منهم مواطنين حيث اشترك هؤلاء بأعمال انتهاكات حقوق إنسان خطيرة كالذي حصل مع ٦٢٢١ جريح حين تم استخدام مادة الرصاص في إطلاق النار عليهم ما بين عامي ٢٠١٦-٢٠١٧ ما تسبب بعمى الكثير منهم، أيضاً هناك العنف الجنسي والإهانات التي تلحق بالناس وهي ممارسات تحدث يومياً ما يؤدي إلى إذكاء التوتر في كشمير والهند (خاصة ما بين ديمقراطيين مدافعين عن حقوق الانسان وما بين يمين متنفذ) وأيضاً بين الهند وباكستان، كشمير قنبلة موقوتة قد لا تنفجر هذا العام، إنها مسألة وقت وقد تشعل هذه القنبلة كل آسيا الجنوبية لا بل قد تسبب توترات أخرى فالصين حاضرة في كشمير وقريبة من باكستان وعلاقاتها معقدة مع الهند، أي أن كشمير يمكن أن تصبح غداً ما كانت عليه صربيا زمن الحرب العالمية الأولى إذا لم يتدارك الأمر.
لقد اعتبرت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الهندية لا سابقة لها وقد تم التحضير لها في سرية تامة من قبل الهندوس القوميين (جماعة رئيس الوزراء نارندرا مودي) ما قد يثير انتفاضة دامية في منطقة غالبيتها مسلمة وعدد كبير من سكان هذه المنطقة في الهيملايا يعادون الهند ويتمسكون بحكمهم الذاتي منذ سبعة عقود.
لكن لماذا اتخذت الحكومة الهندية هذا القرار الآن ؟
إن إلغاء الحكم الدستوري لولاية كشمير هو وعد قديم لحملة رئيس الوزراء مودي الانتخابية التي فاز فيها بأغلبية ساحقة من الأصوات في الربيع الماضي لولاية ثانية حيث أن حزبه كان يتمنى دائما أن يضع حداً لهذا الوضع في جامو وكشمير وحزب اليمين المتشدد لم يتقبل يوماً الوضع في المنطقة وكان مودي قد وعد منذ العام ٢٠١٤ بإنهاء هذا الوضع وعلى الصعيد المحلي فإن كشمير تشهد مرحلة اضطراب شديدة في السنوات الأخيرة وقد حل البرلمان الكشميري في تشرين الثاني ٢٠١٨ ومنذ ذلك الوقت تمت إدارة المنطقة من نيودلهي ريثما تحصل الانتخابات الجديدة. فبالنسبة للحكومة الهندية هي الإرادة بتغيير الوضع : أكثر من ١٧٠ مليون بلغ عدد الفقراء عام ٢٠١٥ بحسب البنك الدولي فالهند تضم ربع فقراء الكرة الأرضية والأحوال ليست جيدة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فالاقتصاد الهندي يتهاوى بسرعة والاستثمارات تتراجع أما النتائج الدبلوماسية لهذا القرار فهي أن ذلك سيصعد من حدة التوتر مع باكستان حيث أدانت حكومة عمران خان هذا القرار وأعلن الجيش الباكستاني الوقوف بحزم إلى جانب سكان كشمير. أما على الصعيد الدولي فإن قرار الحكومة الهندية قد يعقد خروج الأميركيين من أفغانستان بعد ثمانية عشر عاماً من الحروب فواشنطن بحاجة إسلام آباد للمحادثات مع طالبان وإذا لم تدعم الولايات المتحدة مصالح باكستان في كشمير بعد القرار الهندي يمكن لإسلام آباد أن تنقلب على المفاوضات الأفغانية وكان دونالد ترامب قد عرض وساطته مؤخراً بين الهند وباكستان حول كشمير لكن العرض رفض من قبل نيودلهي التي اعتبرت أن المسألة تخص الطرفين فقط.
المجموعة الدولية تخشى تصعيدا للعنف لا يمكن السيطرة عليه بين الهند وباكستان، فإلي أين تذهب القوتان النوويتان؟