فهذا الكتاب للأذكياء».
قولٌ، لابدَّ لكلّ من يقرأه أن يشعر بأن الكتاب موجّهٌ له، حتى وإن كان من أغبى الأغبياء.. ذلك أن الإنسان بطبيعته لا يُدرك مكمن الخلل في عقله وتفكيره، ويعتقد دوماً بأنه يمتلك من القدرات ما يؤهله لأن يكون بين مصافِ العقلاء-الأذكياء.
إن ما يدفعنا للتساؤل: ياترى هل كان طغاة وجبابرة العالم، ممن يشعلون الحروب ويقتلون الشعوب، ويقتادون الإنسان من عقله إلى قاعِ جهله، ومن إنسانيته إلى دونيته، ومن استقراره إلى جحيمِ مكانه.. هل كانوا أذكياء أم في قمة الغباء؟!!
سؤالٌ، يدفعنا إلى سؤال آخر: كيفَ للإنسان الذي عاش ومنذ العصور القديمة، مروراً بالوسطى والحديثة والمعاصرة، أن يصير وفي ظلِّ الانحطاط الذي دفعه إليه هؤلاء الجبابرة، فيلسوفاً أو مبدعاً أو باحثاً أو مخترعاً، يخلده التاريخ والبشرية في قائمة العظماء؟..
من هنا، وإن كان «سيبولا» يرى بأن «على الأذكياء القلائل في هذا العالم، الاستسلام لهذا الواقع الذي يزداد رداءةً وانحداراً، بسبب هذه المجموعة البشرية الأخطر على المجتمعات، من المجرمين ورجال العصابات». إن كان يرى ذلك، إلا أن كُثر من الباحثين والحكماء والمفكرين، لا يقبلون بهذا الاستسلام رغم مرارة ما يحيط بهم وبمجتمعاتهم.. لا يقبلون فيبحثون، فهل يفشلون، وماذا يكتشفون؟..
نفتش معهم، علّنا نكتشف أسرار هذا الغباء الذي أوجعنا مثلما أوجعهم.. نكتشف، وحسب الأسطورة الهندية التي توقفنا لديها، فوجدنا بأنَّ الإنسان كان فيها:
«كان الإنسان يمتلك قدرات وإمكانيات مثل الآلهة، فقررت الآلهة أن تنتزع هذه القدرات منه، لكنه وفي كلِّ مرّة كانت تسعى فيها لإخفاء إحدى هذه الطاقات عنه، وسواء في البحر أو الفضاء أو أعماق الأرض. في كلّ مرة، كان يجدها ويستعيدها، وهو ما جعل الآلهة تقرِّر وبعد أن تشاورت مع كبيرها، بأن تخفي هذه الطاقات والمواهب والمقدرات، داخل الإنسان نفسه».
أليس في هذه الأسطورة ما يبين، بأن في داخلِ الإنسان كلّ الطاقات والمواهب والقدرات الذكية، بل كلّ أسرار الحكمة والعبقرية؟..
نعم، في داخل الإنسان كلّ هذا لكنه لا يسعى للاستفادة منه، ولا لترسيخه لخدمة أبناء مجتمعه. ناهيك عن التطور التكنولوجي، الذي أدى إلى تجميد قدرات حتى المثقف أو النخبوي، وعندما حرّضه على التقاط المعرفة من الفضاء، والإشاحة عن المكمن الحقيقي للمعرفة والذكاء.
هذا ما استنتجناه من هذه الأسطورة، وهذا مايدفعنا للشعور بأن «سيبولا» الذي جعل من إنسان كتابه، مجرَّد «مغفل-بائس» وقرصان-لصٌّ» و«ذكي أو غبي»، قد أغفل بأن هذا الذكي القليل الذي صنَّفه، موجود في تصنيفاته الأخرى ولكن، بشكلٍّ خفي..
أغفل ذلك، فزاد من شعورنا، بأن الإنسان الذي يعيش فينا ويحيط بنا، هو خطر علينا وعلى مجتمعاتنا.. لكن، لا.. لا يمكن ورغم كلّ ما ذكرناه أن نسفّه العقل ومكانته، وبدلالة عظماءٍ ومفكرين وعباقرة قادوا المجتمعات إلى حيث قادها الحكيم الهندي «بوذا» الذي لايمكن أن ننسى مقولته:
«كن نوراً لنفسك ولا تتَّبع الآخرين.. لا تقلد أحداً، لأن التقليد والتبعية يولدان العناء.. لقد ولدتَ مع إمكانية ذكاء خارقة.. ولدتَ مع نورٍ في داخلك فاصغِ لصوتِ الصمتِ والسكون, ذلك الصوت الداخلي سيقودك ولا يمكن لأحد آخر أن يوجهك ولا أن يصبح مثلك الأعلى، لأنك فريد واستثنائي..
لم ولن، يُخلق إنسان مثلك تماماً، وهنا يكمن مجدك وعظمتك، ومن المستحيل استبدالك. كن نفسك وليسَ شخصاً آخر، فالإنسان الذي يتبع الآخرين يصبح مزيفاً ومسيَّراً، وقد يكون قديساً بنظر الآخرين، لكنه في العمق ليس سوى غبيٌّ تافه»..