بالأخرى ، وهذا الأمر طبيعي على قدر ما هو مأساوي والوقائع تدل على أن المحاور المعادية هي في عمقها شيء وفي مظاهرها وظاهرها شيء آخر، فعلى سبيل المثال اعتدنا في الإعلام أن نتحدث بل ونحلل مستويات من التناقض ما بين أميركا ترامب وتركيا أردوغان حتى وصل الأمر بالبعض إلى أن يعلن أن المواجهة العسكرية على وشك أن تبدأ ما بين هذين النظامين، كذلك الأمر في مستوى توضعات متباينة ما بين ما يسمى دولة قطر ومملكة آل سعود ،وجرى التصوير الفكري والسياسي على أن هناك انقطاعات في مشروعهما وصلت إلى الحد النهائي،
ثم دخلت على الخط قصة الأكراد في شمال سورية حتى بات من المتعذر أن نعرف الخطوط العامة التي تعطي الهوية ولو بالحد الأدنى ما بين فصيل كردي وآخر، وماسوف ينتهي إليه الأمر في تناقضات مزعومة بين أميركا وتركيا بخصوص وضع الأكراد في تفاصيلهم في تعدد أهوائهم ، وهنا انسحب ذات الأمر على التنظيمات التكفيرية الإرهابية ، كيف تقتتل وكيف تتوحد بعد لحظة من القتال ، والمهم في هذا السياق أن الحابل اختلط بالنابل والخشية في ذلك هي أن نراوح في الموضع بمطاردة التصريحات والوقائع العابرة والنشاطات المتغيرة بين كل هذه المسميات ، نبني فيها وعليها ثم نصدرها للرأي العام الوطني والإقليمي بحسن نية أحياناً وباندفاعات على السطح تطارد هذا الكلام أو ذاك وتتخذ منه مصدراً لتحليل الواقع وهوس إطلاق الاحتمالات على المدى القريب والبعيد،
ومن هنا تظهر بجدارة أهمية وضرورة الانتقال من نمط التحليل السياسي القائم في جزء كبير منه إلى منهجية البحث السياسي الذي يعاين الأحوال من منطقة الجذور في كل موقف إلى الحالة المشهودة والسائدة ومن ثم إلى الذهاب باتجاه الاحتمالات المبنية على أساس الجذور وموضوعية الواقع في سياق واحد ، والبحث السياسي هو العاصم من التشتت في الرؤى والاحتمالات ضمن السياق الواحد وكذلك هو المخرج من تراكمات النظرات الذاتية ووجهات النظر المغلقة والمجزوءة، والغريب في الأمر أن هناك عنصرين هامين كبيرين هما مادة الصراع ومبرر العدوان على الوطن السوري ،وقد استغرقا معاً ما يقرب من العقد من السنين الملتهبة والحارقة الخارقة، أما الأول من العنصرين فهو هذا الاستهداف المركز والمكثف الذي وضع وطننا في المحرق وتوافقت عليه جميع الأطراف الدولية الراعية للإرهاب أو المغذية له بكل الأسلحة أو الصامتة عن جرائمه حتى هذا اليوم، إن الذي يفك لنا اللغز الموهوم هو الانطلاق بلا تردد وبلا حدود من المشروع الموحد ضد سورية والذي تتحرك عناوينه أحياناً ويتناوب الأداء الهمجي فيه ولكنه في العمق وفي الجوهر يشكل العداء المكثف والتاريخي لسورية العربية محور ربط وارتباط بين القوى المعتدية وهدفاً ثميناً لابد من التشبث به باعتباره (صيدة) على حد قول أقذر مسؤول قطري في إطلاقه لهذا المصطلح الذي صارت سورية فيه مجرد (صيدة) كان الجميع يطاردونها.
ولكن عاملاً مفاجئاً حدث فيما بين الصيادين القتلة (فتهاوشوا) الأمر الذي جعل الصيدة تفلت من بين أيديهم، هذا التشبيه الدنيء والبليغ أطلقه حمد بن جاسم الوزير القطري بما فيه من حقائق صاعقة وصادمة وبلا اكتراث بردود الفعل عند شركائه القدامى، كلهم كانوا موحدين حول العداء لسورية وكلهم طاردوا (الطير الحر) في السماء وفي البحر وعلى الأرض وبين وديان سورية وسهولها وبواديها، ألا يكفي ذلك على أن نقتنع جميعنا بأن هناك أساسيات هي التي تستحق أن ننطلق منها ونتعرف على جذورها ونبني تضحياتنا كما حدثت في اطار استمرار الرد الوطني القائم عليهم، وهناك فسحة في الأساسيات تشير إلى العنصر الثاني وهو مادة ودافع الوحدة العضوية لاغتيال سورية والتي ينطلق منها كل أطراف هذا العدوان على وطننا ومن الطبيعي أن بين هذه الأطراف تناقضات وتباينات في كثير من المسائل ولكن الذي يجمعها إلى بعضها هو الهدف العام المشترك المتمثل في العداء لسورية وضرورة متابعة مسيرة الحقد حتى تدمير حدود الوطن وتاريخه ووحدته وذاكرته وكرامته.