قبل نحو سبع سنوات كي تنشر مبادئ العدل وحقوق الإنسان وتنمية الشعوب وإعادة الأمن والاستقرار لها على الطريقة الأميركية الهوليوودية لإكمال بناء مشروعها الامبراطوري الهدام وها هي اليوم تلك الإدارة تزف الينا بشارة جديدة لفصل جديد من ذاك المشروع الإنساني لها في ارسالها المدمرة كول إلى سواحل لبنان كي توفر سبل النجاح للفصل التآمري الجديد الذي تحمله الوزيرة الأميركية رايس في زيارتها المقبلة إلى المنطقة وسط بحيرات الدم ورائحة الموت التي تفوح من جعبتها.
فما الجديد في هذا التصعيد العدواني الأميركي حيال المنطقة رغم أن تحريك الاساطيل الأميركية في الشرق الأوسط ليس بالجديد إذ إن الوجود البحري الاستعماري للولايات المتحدة في الشرق المتوسط قائم منذ عقود مع بدء قيام الامبراطورية الاستعمارية الأميركية على خلفية سقوط الامبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية في الثلاثينيات من القرن الماضي.
إن وصول المدمرة الأميركية كول إلى المنطقة مع زيارة الانسة رايس وسط تسويغات أميركية للحفاظ على الاستقرار في لبنان معناه أن هذه الإدارة الأميركية التي تعيش أواخر أيامها مقبلة على فصل جديد من تقديمها فروض الدعم لخدمة مشاريع الصهيونية وللوقوف مع من يراهنون على المشروع الأمروصهيوني وفي أنه آن الأوان لرد الصاع صاعين لأطراف جبهة المقاومة العربية في المنطقة من خلال التلويح بالعصا الأميركية التي يبدو أنها لم تنكسر بالشكل المطلوب في مواجهتها الخاسرة في صيف عام 2006 بجنوب لبنان أمام حزب الله ولم تعتبر من نتائجها أن إدارة بوش التي تتهم سورية وغيرها ممن لا يقدمون لها الطاعة العمياء وتتهمهم بالتدخل في شؤون لبنان وغيره هذه الإدارة استباحت لنفسها استعمار العراق وافغانستان ومحاولتها البائسة لجر لبنان العربي الوطني إلى هويته الجديدة التي تحاول جاهدة مع ربيبتها (إسرائيل) في أن يكون لبنان منسلخاً عن أمته وعروبته وفي أن يكون عوناً على المشاركة بالكارثة التي تحل بالشعب الفلسطيني وبالمحرقة التي وعدت (إسرائيل) بتنفيذها بحقه لتصفية قضيته.
إنها الصورة الحقيقية لتوجهات المشروع الأمروصهيوني في فصوله الأخيرة التي أميط اللثام عن تنفيذها مع ربيع الموسم الحالي للاجهاز على آخر خنادق المقاومة العربية تحت ذريعة الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وتمهيد الطريق أمام الاستسلام العربي (لإسرائيل) القائم على جماجم وجثث الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
إن ارسال المدمرة الأميركية كول للمنطقة يشكل في حقيقة الأمر منعطفاً سياسياً خطيراً يعيد إلى الأذهان التدخل الأميركي العسكري في لبنان في نهاية الخمسينيات ومطلع الثمانينات وهو أيضا أقرب إلى ما يكون استكمالاً لما تم رسمه قبل أربع سنوات مع صدور القرار الدولي 1559 وهو ما ينذر بالمزيد من التأزم بالوضع الداخلي اللبناني وكذلك التلويح بخطر حروب جديدة قد تتجاوز الحدود اللبنانية بذريعة حل الأزمة الرئاسية في لبنان ما يعني أن الإدارة الأميركية و(إسرائيل) مقبلتان على عدوان بكل معنى الكلمة ضد المنطقة رغم أنهما لم تستفيدا من الدرس اللبناني في الثمانينات ولا من الدرس العراقي المستمر وهما كما تبدوان اليوم أشد تصميماً على اعتماد سياسة القوة والتلويح بها في سياق الضغط السياسي المكشوف سواء على المعارضة في لبنان أم على سورية وايران للتعويض عن فشلهما في الجولة السابقة لهما مع حزب الله صيف عام 2006 وبالتالي ممارسة الضغط على سورية في ظل تحضيراتها القائمة لإنجاح القمة العربية التي ستحتضنها نهاية الشهر الحالي من أجل عودة الروح التضامنية والفعالة لمسيرة العمل العربي المشترك ولإعادة الوئام إلى العلاقات العربية العربية لحماية الأمن القومي العربي الذي هو كل لا يتجزأ ولمواجهة الأخطار والتحديات التي تنهال على أمتنا من كل حدب وصوب وما تعانيه في حالتها الراهنة من تشرذم وتبعثر وافتراق.
إن الأهداف القائمة للتحرك الأميركي الجديد والمتمثل في ارساله المدمرة كول إلى المياه الإقليمية اللبنانية لا يمكن قراءتها إلا في اطارها الطبيعي فهي خطوة استفزازية للتدخل المباشرفي المنطقة من بوابة صب الزيت على نار حدة الاستقطاب الداخلي اللبناني وتحويله إلى مشروع فتنة داخلية لجر المقاومة في لبنان إلى أتون حرب أهلية لن تبقي ولن تذر وهي ايضا مزيد من الضغط على سورية وكل فصائل المقاومة للمشروع الامروصهيوني وبالتالي لايجاد التسويغات المطلوبة لافشال القمة العربية التي تجهد دمشق من خلالها لعودة اللحمة العربية إلى وضعها الطبيعي وإلى انتشال الأمة من وضعها الحالي المؤلم وإلى الالتفات لرفع الضيم والهوان عما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في أسوأ محرقة ينفذها الصهاينة بدعم أميركي غير محدود لتصفية القضية الفلسطينية وكل من يقف عثرة في وجه مخططاتهم.
إن إدارة بوش في خطواتها الاستفزازية الجديدة بارسال مدمرتها كول إلى المنطقة والوزيرة رايس يعني أيضا أنها في اطار تنفيذها الحلقة الأخطر من خلال نشر قواتها بدءاً من الخليج العربي إلى الشواطئ العربية في المتوسط وتوسيع دائرة النار على من يقف حائلاً أمام مشاريعها وبالتالي هي خطوة أميركية (إسرائيلية) استباقية لادخال المنطقة العربية في طور جديد لدفع الخلاف فيها إلى صدام يسمح لها بالتدخل العسكري المباشر وتحويل الانقسام السياسي العربي إلى حرب مفتوحة فيما بينهم وإشعال حروب أهلية جديدة على الأرض العربية لتمويه الخطر الحقيقي وهو في الأساس خطر صهيوني بغطاء أميركي.