وقد أماط البنتاغون مؤخراً اللثام عن مقترحاته المتعلقة بميزانية الإنفاق العسكري السنوي انطلاقاً من عام 2009 ووصلت إلى 515,4 بليون دولار بينما يسجل فيه التضخم أعلى نسب له في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية, وتطال تلك الاقتراحات المرتبطة بميزانية وزارة الدفاع الأميركية العمليات الخاصة التي ينفذها البنتاغون إلى جانب مناورات قواته العسكرية دون أن تشمل مصاريف المجهود الحربي الإضافية أو الأسلحة النووية ويشهد الإنفاق الأخير تزايداً فعلياً بلغت نسبته 5% العام الماضي فقط.
ومنذ تولي جورج بوش زمام السلطة أقدمت إدارته على زيادة حجم الإنفاق العسكري بنسبة 30% ومن الصعوبة بمكان بقاء هذا الرقم على ما هو عليه من حيث الاستقرار نظراً لأن الاقتصاد الأميركي يعاني من تدهور تدريجي خاصة عندما تعرض الإنفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية وتكاليف الرعاية الصحية للاستنزاف والضمور فها هو الاقتصاد الأميركي يشهد حالة تصاعدية فيما يخص تكاليف النمو, في حين تتسارع عجلة الإنفاق العسكري لدرجة ابتلعت فيها ميزانية البنتاغون الضخمة الموجهة للعمليات الخاصة وللمجهود الحربي نسبة غير متوقعة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بالأزمات السابقة.
ويرى عدد من المراقبين المتخصصين في الاقتصاد الأميركي: إنه خلال الحرب الكورية ابتلعت العمليات العسكرية الأميركية آنذاك 14% من عائدات الاقتصاد الأميركي ونسبة 9% من هذا الدخل القومي خلال حرب فيتنام وإذا ما تم احتساب الأسس التي تقوم عليها ميزانية البنتاغون الحالية مضافاً إليها الإنفاق على الأسلحة النووية وتكاليف الحروب الإضافية الأميركية الخارجة عن المألوف تتشكل زيادة تقارب 4% لحساب ميزانية الاقتصاد اليوم.
فإنفاق البنتاغون بمفرده يقتطع 3,4 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ويعلق (لورن تومبسون) خبير الميزانية في مؤسسة لنكستون على هذا الموضوع قائلاً: تتبع مطالب إدارة بوش سياسة التصعيد العسكري بالنسبة لميزانية الدفاع الأميركي وهو المنهج الذي سار على هداه هذا الرئيس منذ مطلع ولايته حتى الآن ثم أضاف مع ذلك فإن مطالب زيادة الإنفاق العسكري للعام 2009 وصلت إلى ذروتها, ويدرك المسؤولون في البنتاغون أن زيادة مخصصاتهم المالية ضرورية لمتابعة المهام العسكرية في كل من العراق وأفغانستان يضاف إليها الجهود الواجب بذلها بهدف زيادة عدد الجيش الأميركي وفيالق المارينز وقوات العمليات الخاصة وهي التي ستحل محل الأسلحة القديمة التي استهلكت في حروب الصحراء فهي التي ستؤمن حياة نوعية للعناصر المقاتلة التي ترتدي البزة العسكرية الأميركية وبالتالي ستشجع هؤلاء على البقاء في المجال العسكري.
ولا ينكر عدد من أبرز الجنرالات في البنتاغون والادميرالات أن الكونغرس والشارع الأميركي على حد سواء سينصب جل اهتمامه على القضايا الداخلية بعد الانتهاء من حرب العراق ويصرح الادميرال (ميك مولن) على هذا الصعيد قائلاً: إننا بحاجة لإجراء نقاش عام موسع حول ماذا يجب أن ننفق في مجالات الدفاع الأميركي ويؤكد كل من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس و (ميك مولن) إنه من الضروري عدم خفض الإنفاق العسكري إلى ما دون 4% بالنسبة للدخل القومي ويضيف (مولن) أعتقد أن نسبة 4% مهمة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المتغيرات في العالم اليوم والتهديدات والمخاطر التي نواجهها ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وإنما عالمياً.
ويقول الناطق الصحفي في البنتاغون (جيف موريل) إن (روبرت غيتس) وقادة البنتاغون على دراية من أن فاتورة الإنفاق الطارئة الضخمة المخصصة لشن الحروب والمضافة لأساس ميزانية البنتاغون لا بد وأن تستنفد بعد حين, ويرى الصحفي (موريل) أيضاً أنه عندما ستبتعد الولايات المتحدة عن شن حروب إضافية فسيصبح بإمكان الكونغرس تخصيص نسبة 4% من إجمالي الناتج الأميركي المحلي لتمويل الأمن القومي وسيكون هذا ثمن حماية مصالحنا حول العالم ويتساءل (موريل) لكن هل تم إلغاء برامج التسلح من ميزانية البنتاغون الجديدة? وكيف يتجنب البنتاغون المطالب التي تدعو للبقاء على الحياد? ويعلق »ستيفن كوسيك) نائب رئيس دراسات الميزانية في مركز التخمينات الاستراتيجية على ذلك بقوله: من المشكوك فيه أن تحافظ الأمة الأميركية على هذا الإنفاق العسكري البعيد عن التصور فقد سجل الإنفاق العسكري لعام 2009 زيادة تصعيدية على امتداد الإحدى عشرة سنة الماضية, ثم استطرد أشارت مقترحات الميزانية في إدارة بوش إلى أن مستوى الإنفاق العسكري سيصل إلى الذروة العام القادم.
وترفق كل ميزانية سنوية بمعدل إنفاق صالح لخمس سنوات قادمة وتمتد خطط الإنفاق التي وضعتها الإدارة الأميركية للأعوام 2010 و 2013 ما يعني أن أي تقليص في الميزانية سيؤدي إلى حدوث تضخم.
أما بالنسبة للأمن الذي ستخلفه إدارة البيت الأبيض الحالية فقد وصل معدل الإنفاق العسكري فيها إلى أعلى مستويات له في تاريخ الولايات المتحدة متجاوزاً نفقات كل من الحربين الكورية والفيتنامية, وقد تم استبعاد الإنفاق لدعم الحرب من ميزانية البنتاغون أيام رونالد ريغان مما تمخض عن إثارة غضب الكونغرس آنذاك وأعلن المسؤولون في البنتاغون عن اقتراح لتخصيص 70 بليون دولار لتغطية مصاريف العمليات الخاصة »أي الحروب) انطلاقاً من تشرين الثاني للعام الحالي حين تبدأ السنة المالية الجديدة ليستفيد منها الرئيس الأميركي القادم خلال الأيام الأولى من ولايته وسيوجه حاكم البيت البيض القادم مباشرة تساؤلات حول مستوى أداء القوات الأميركية في العراق والتعهدات المطلوبة لمتابعة الوجود الأميركي في هذا البلد, ويتوقع أن يتقدم قائد القوات الأميركية في العراق »ديفيد بيتراوس) بتوجهاته إلى الكونغرس حول مستوى القوات الأميركية قبل نهاية عام 2008 ويصرح السيناتور »جاك ريد) الذي زار العراق الشهر الماضي قائلاً: إن تمديد بقاء القوات الأميركية البرية كما اقترحت الميزانية الجديدة يخفف من الضغوط على الجيش وفيالق المارينز هناك وأضاف »ريد) والذي يعمل في لجنة الخدمات المسلحة أن مضاعفات الحرب في العراق وأفغانستان أثارت الكثير من التساؤلات فيما إذا كانت القوات الأميركية تخضع لتدريبات كافية أم لا لذلك تحتاج إلى إعادة النظر في هذا الأمر ما يتطلب قرارات تتعلق بالميزانية العسكرية وهو أمر يصعب تحقيقه الآن.