ولم يكن ذلك الترف إلا على حساب ملايين الجياع من البائسين عصرذاك لينعم قياصرة روما والقسطنطينية وباقي طغاة العالم وأشياعهم, بينما يرتشف معظم الناس كؤوس الذل والهوان ويقتاتون مايحول بينهم وبين الموت.
وجاء الفتح العربي حاملاً مشاعل النور والعدل والحضارة لكنما سرعان ماخفت شعاع تلك الإضاءات بعد أن احتل الترف قصور الحاكمين والأمراء والأثرياء حينما ساروا على محاور البذخ والظلم والجهل لتدخل الحضارة العربية الإسلامية في انهيارات كطوفان مدمر.
وها هو الإعلام اليوم يؤدي مهام الرواة والقاصين بوسائله المختلفة صحافة.. إذاعة.. تلفزة.. وها نحن اليوم نتلمس تلك الصورة المريعة لترف المترفين بأساليب وأشكال متقاربة حيناً ومختلفة حيناً آخر, لكنها تحمل نفس المضامين التدميرية للبشرية جمعاء بحيث نجد العالم يقف على رأسه.
وتحضرني الآن حكاية الكلب بنجي الذي لعب دور البطولة في عدة أفلام سينمائية في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي, واحتلت أخباره وسائل الإعلام الغربية بشكل خاص, حيث أقيم للكلب بنجي حفل استقبال حضره عدد كبير من نجوم السينما تكريماً له على الأدوار التي مثلها في الأفلام السينمائية, ليس هذا فحسب, بل دعي إلى البيت الأبيض ليكون ضيف شرف في احتفال عيد ميلاد آني كارتر وشارك في الحفل الرئيس الأميركي جيمي كارتر أحد قياصرة القرن العشرين, حيث تقدم كارتر من الكلب مقدماً له بسمة تقدير واحترام ثم صافحه بحرارة.
وحكاية الكلب بنجي هذه تبرز في مخيلتي كلما وجدتني أمام إشكالات جديدة من ترف المترفين التي تحتل أماكن بارزة من الصحف والمجلات العالمية وتحتكر أزمنة وأوقاتاً مهمة من البث الإذاعي والتلفزيوني, مجسدة الأشكال والصور المتوالدة باستمرار حول ترف المترفين, بحيث نجد العالم يقف على رأسه مجدداً رغم دخوله عصر العلم, والتكنولوجيا والمعلوماتية المتعالية.. وفي نفس الوقت يموت ملايين الناس جوعاً وبرداً وقهراً ومرضاً إضافة إلى من تحصدهم أدوات الفتك والدمار في أقاليم وجغرافيات الجنوب الذي يكتوي ليلاً ونهاراً بلهيب نيران الشمال.
والسؤال الذي يتمركز على أرضية العقد الأول من الألفية الثانية يمكن صياغته بأشكال وصور ومفردات كثيرة, لكنه لا يكاد يخرج عن المسارات التالية:
ماالسبيل إلى زلزلة الأرض تحت عروش المترفين والمستغلين ومن يمارسون كل أصناف القهر والاضطهاد على إنسانية الإنسان?!.
وبالتالي ما المنطلقات الأكثر نجوعاً والتي من شأنها المساهمة في جعل العالم يقف على قدميه والحؤول بينه وبين السقوط في منحدرات ليس لها قرار?!.
وإضافة لما سبق, إذ كان الأمل ينمو ويترعرع في بعض جغرافيات آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية تلقاء توليد عصرجديد تحقق فيه الشعوب شرطها الإنساني.. فما الوسائل الممكنة لوضع هذه الآمال خارج دوائر الاغتيال التي يحكم الغرب القبض عليها بالدهاء والمكر حيناً وبالحديد والنار حيناً آخر.
والآن.. ألا ترون أنه حان ميعاد الخلاص من أمراض المرضى ممن يحملون شعارات الدمار المتمثلة بمصطلحات شرق وغرب- شمال وجنوب, واستبدالها بشعارات الدفء والتسامي ممثلة ب (الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره والخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ) كما قال خاتم النبيين عليه وعليهم السلام.
وأخيراً .. ألم يأت الوقت, المناسب الذي يتوجه فيه الغرب إلى الخروج من شوفينيته التي رسمها في المركزية الأوروبية ثم جسدها بالمركزية الغربية, والتوجه تلقاء المركزية الإنسانية إنقاذاً لنفسه وللبشرية جمعاء?!