تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحقيقة حلوة مرّة ?!

آراء
الاثنين 3/3/2008
محمود شيخ عيسى

تلقت الحقيقة عبر مراحل التاريخ الطويلة دعوات لزيارة مكانين مازالت مترددة حتى هذه اللحظة في ارتيادهما: نبع الشباب الدائم الذي يستطيع بإكسيره السحري أن يحفظ لها رونقها وفتنتها ونضارتها, ومركز معالجة آثار الشيخوخة كمرحلة أولى ثمّ القضاء عليها نهائياً في مرحلة تالية.

وتشرح الحقيقة أسباب تردّدها في الإقدام على خطوة من الخطوتين أو على الخطوتين كلتيهما منطلقة من أسباب تراها موضوعية إلى أبعد الحدود, وهي ترى أن مناصريها في اتخاذ هذا الموقف ودعمه لما يبلغوا الكثرة الكاثرة بعد, لكنها مسكونة بالثقة الكبيرة أنهم سيدلفون إليها من كلّ حدب وصوب خلال زمن ليس عنها وعنهم ببعيد فالمسألة انتظار لأمر وشيك الحدوث ليس إلا.‏

وتسألها عن ينبوع هذه الثقة من أين ينبع وأين يصبّ فتجيب بكل هدوء, إنها تعرف نفسها جيداً, ونفسها كما تراها كتاب مفتوح جليّ تستطيع أن تعرف محتواه حتى من قبل أن تفتحه ويكفي المرور بعنوانه لتكشف عن فحواه.‏

وحسبها اعتزازاً بنفسها كما تقول إنها قادرة على تعريف نفسها بنفسها, وليست محتاجة لمساعدة أحد للتعريف بها أو تقديمها إلى الجمهور.‏

كلّ الناس يعرفون اسم الشارع الذي تقيم فيه واسم البناء الذي تقع فيه شقتها المتواضعة الفاخرة بتواضعها, ويحفظون رقم هاتفها عن ظهر قلب, كلّ هذا في رأيها يغنيها عن حمل بطاقة شخصية يدّون فيه اسمها ومواصفاتها وعلاماتها المميزة.‏

سألوها مرات عدّة أن تصف نفسها فرفضت الأمر شكلاً ومضموناً, فالجمال كما تقول إليها ينتسب فكيف ستصف نفسها بالجمال, الجمال هو الذي يجب أن يوصف بها.‏

حاولوا أن يعرفوا شيئاً عن خصالها فأجابتهم إنها عذبة عذوبة الماء الزلال الرقراق, إذا قست فحرصاً على أن تظل الدنيا محتفظة بنقاء سريرتها الصافية, وإذا احمرّ وجهها غضباً من أمر ما فلكم أن تتذكروا الورد عندما يصرّ النسيم على اصطحابه لرحلة لهو بريء, وإذا أصرّ على رفض الدعوة اكتفى بمعاتبته من بعيد.‏

أمّا عن طبعها فهي أعرف الناس بنفسها, ولم تكن لتلجأ إلى الآخرين ليحدثوها عن سماتها وصفاتها.‏

ألحّ محبّوها عليها مراراً وتكراراً لتصف نفسها بنفسها, فوعدتهم بحمل القلم يوماً ما لتخط سطوراً قليلة تتحدث فيها عن عالمها الداخليّ وهو العالم الواضح الخالي من الغموض والأسرار.‏

انتظر المحبّون ذلك اليوم انتظاراً مشبعاً بغيوم اللهفة والتشوق, لكنّ القادم الذي تأخر في التحرّك ظلّ مصراً على رميهم في أرض الترقب.‏

حتى إذا فقدوا القطرة الأخيرة من الزيت المتبقي في قنديل الصبر واعتقدوا أن اللقاء بذلك اليوم عنقاء وهم لن تهبط بجناحيها لتلفهم بدفء اللقاء وحنانه, رأوا أن يبعثوا إلى الحقيقة رسالة يناشدونها من خلالها أن تصف نفسها بسطور قليلة تكون برداً وسلاماً على أكبادهم وقلوبهم.‏

استجابت الحقيقة بعد أن تلقت تلك الرسالة لرجائهم, وكم شعرت وهي مستغرقة بقراءة سطورها بحجم الحيرة التي كانت ترتسم على قسمات وجوههم, تعاملت معهم بكلّ محبة وألفة, فكتبت إليهم قائلة: ( إنني أعرف نفسي خير معرفة ولا أضلّ عن مكنونات عالمي الداخلي لكن قراراً حاسماً بشأن الوصف الدقيق لذاتي لمّا اتخذه بعد وقد يمرّ زمن طويل قبل وصولي إلى لحظة اتخاذ القرار, لأني حتى هذا اليوم مازلت مترددة بين وصفين أأنا مرّة حلوة أم حلوة مرّة?! ).‏

ومنذ ذلك الحين والناس مختلفون في الوصف الدقيق للحقيقة لكنهم متفقون أنها الكائن الجميل الذي يجب أن نصونه ونحافظ عليه إذا أردنا لحياتنا أن تكون جميلة ورائعة, والحقيقة تعرف اتفاق الناس عليها واختلافهم من أجلها لا عليها, لذلك تظل مصرّة على موقفها الذي تراه صواباً بعدم ارتياد نبع الشباب الدائم ومركز معالجة الشيخوخة, لأنها بمحبة الناس لها ستبقى فتية شابة في عيون وقلوب وعقول محبيها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية