حين شاهد دمشق لاول مرة وذلك بتاريخ 21 كانون الاول 1930 وأسجل هنا باختصار وايجاز بعض هذه الانطباعات العفوية والذوقية من اجل التوثيق التاريخي ولطرافتها ولانها تقدم ايضا دون رتوش صورة واقعية حية عن كوكبة متميزة من الشخصيات الدمشقية الشهيرة انذاك, وعن معالم هذه المدينة العريقة واوابدها التاريخية قبل 77 سنة... ولنترك حديث الذكريات للاديب عزام كما خطه قلمه المبدع. تغدينا في فندق كبير بمدينة طبريا اسمه ماجستيك ثم استأنفنا السير قاصدين دمشق وقفنا على الحدود وقدمنا جوازات السفر, ثم سرنا قليلا فتخطينا نهر الاردن على قنطرة صغيرة ووقفنا على مقربة من الشاطىء الاخر عند مخافر سورية ثم تابعنا السير الى دمشق وكم انقبضت الصدور وانشرحت بذكرى دمشق .وكم ثارت في النفس ذكريات من الماضي والحاضر, وبسمت فيها الامال وعبست الالام.وكان القلب يخفق كلما سألنا السائق فخبرنا ان المدينة اقتربت.
غربت الشمس, واظلم الافق فلاح على بعد نور دمشق ثم دخلناها والنفس مقسّمة بين عين تجهد لترى دمشق, وقلب يخفق لرؤية دمشق, ورأس يبحث في ثنايا التاريخ عن دمشق وحظها من تقلبات الزمان, وها هو ذا نهر بردى حقيقة لاخيالا.
وقفت السيارة على فندق خوام والساعة ست ونصف, وقد بلغ بنا التعب مبلغه ولكن شوقنا الى المدينة اخرجنا قبل العشاء فتفرقنا في طرقها قليلا ورجعت فجلست انتظر الرفاق واذا وفد من اخواننا الدمشقيين يسألون عنا وما ظننا ان احدا علم بمقدمنا دخل جماعة من هؤلاء الاخوان اتذكر منهم:
الاستاذ عبد القادر المغربي, والامير جعفر الجزائري والاستاذ عبد القادر العظم فأخبرنا هؤلاء الفضلاء انهم حسبونا قادمين بالقطار فرسموا خطة لاستقبالنا في المحطة, ثم اخبرونا ان وزير المعارف الاستاذ الفاضل محمد كرد علي سيحضر بعد قليل وجاء الوزير العالم بعد العشاء فاوسعنا ترحيبا وايناسا وتسامر معنا زمنا ينقل الحديث حيث يشاء له علمه الواسع وادبه الرفيع.
وفي الصباح سرنا الى دار الحكومة حيث قابلنا صاحب الفخامة الشيخ تاج الدين الحسني رئيس الوزراء, ثم خرجنا الى الجامعة السورية: ( كليتي الحقوق والطب) فزرنا حجر الدراسة واستمعنا الى بعض الاساتذة...
وزرنا كذلك مخابر المعهد الطبي وقد امتلأت انفسنا سرورا حينما ذهبنا الى مسجد قريب من بناء الجامعة بناه السلطان سليمان الثاني العثماني, على طراز مساجد الاستانة الجميلة, فرأينا حجرات تحيط ببناء المسجد, قد اتخذت مخابر للكيمياء والطبيعة ,اعجبنا جدا هذا التأليف بين القديم والحديث والتقريب بين العلم والدين, والمحافظة على الاثار والاستفادة منها..
ورأينا جامع دمشق العظيم - الجامع الاموي- وهو مسجد توالت عليه القرون وتداولته الاديان, واختلفت عليه الفنون.وكذلك زرنا المجمع العلمي وهو على مقربة من جامع بني امية في بناء قديم بناه الملك العادل الايوبي ليكون مدرسة ودفن في احدى حجراته.
وامامه بناء اخر فيه قبة الظاهر بيبرس وتحت القبة ضريحه.
وفي يوم الجمعة غدونا الى الصالحية احدى محلات دمشق على سفح جبل قاسيون.
ونزلنا لزيارة الشيخ الاكبر ابن عربي, فرأينا حول الباب نسوة وقداجتمعن للزيارة. انتهت الدرجات الى ضريح شيخ الصوفية ورأينا بجانبه ضريحا اخر عرفنا انه لبطل الجزائر الامير عبد القادر الجزائري ثم ضريحين صغيرين لبعض ابناء الامير وابن الشيخ الاكبر..
تعقيب المحرر:
في نفس المكان المشار اليه استرعى انتباهي وجود عبارة طريفة منقوشة على احد القبور المجاورة لضريح ابن عربي تقول هذه العبارة وهي غير مألوفة, وقد كتبت بخط فني انيق كلما نظرت اليه ازداد جمالاوحسنا هذا قبر الوزير الخطير.
ويبدو أن هذا الوزير الخطير كان صهرا للسلطان العثماني لذلك حظي بهذا التكريم الاستثنائي الذي لن يتكرر ابدا وكما اشرنا منذ مدة في نفس هذه الصفحة فإن رفات الامير عبد القادر نقلت الى الجزائر بعد حصولها على استقلالها الوطني في احتفال رسمي وشعبي..
ويضيف الاديب عبد الوهاب عزام:
وكان معنا في هذه الجولة الامير جعفر, حفيد الامير عبد القادر الذي تفضل فرافقنا في زيارة الاثار ولقد احسن الذين وضعوا بطل المسلمين في القرن الماضي بجانب بطل الصوفية فقرنوا الجهاد الاصغر بالجهاد الاكبر.