بحيث لا تستطيع الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة ولا أحد آخر تمزيق هذه المستوطنات بعد 25 سنة» هذا ما قاله أرييل شارون في عام 1973، بينما كان المدير العام بوزارة الحرب الإسرائيلية عاموس يارون قد صرح أن «العالم لن يقرر إذا كنا سنبني الجدار أم لا.. الجدار سيبنى».. في حين أوضح السياسي الإسرائيلي أوري أفنيري «إننا أقوياء، نحن نستطيع أن نفعل كل ما نريد، سنسجن الشعب الفلسطيني في مناطق صغيرة معزولة عن العالم».
و«الجدار العازل» أو «جدار الفصل العنصري» هو عبارة عن حاجز طويل تبنيه «إسرائيل» في الضفة الغربية قرب ما يعرف بالخط الأخضر، وقد بدأ بناء الجدار في عام 2002، ويمر بمسار متعرج حيث يحيط بمعظم أراضي الضفة الغربية. وما زال مشروع بناء الجدار مشروعاً قيد التنفيذ حتى الآن ومخططاته قيد التعديل المستمر، وبناء على الخطة التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية في 30 نيسان 2006 فإن طول الجدار سيبلغ 703 كم عند انتهاء البناء. والجدار الذي تبلغ تكلفته نحو مليوني دولار للكيلو متر الواحد مبني من الاسمنت بارتفاع يتراوح بين 4.5 و9 أمتار في المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين وسياج الكتروني في المناطق غير المأهولة بالفلسطينيين، وفيما تدعي الحكومة الإسرائيلية أن الهدف من بناء الجدار هو لذرائع ومبررات أمنية، يؤكد الفلسطينيون أن شبكة الجدران، الأسوار والخنادق هي حجج إسرائيلية واهية لسرقة أراضيهم ولتقسيم التجمعات السكانية الفلسطينية وإحكام سيطرة الاحتلال عليها. وفي هذا السياق يؤكد الدكتور مصطفى البرغوثي عضو المجلس التشريعي وسكرتير عام المبادرة الوطنية الفلسطينية أن «الحجة الأمنية هي كذبة إسرائيلية كبيرة، فوظيفة الجدار سياسية تهدف «إسرائيل» من وراء بنائه إلى ضم الأراضي، وتوسيع الاستيطان، وتدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة قابلة للحياة، والاستيلاء على أكبر قدر من مصادر المياه في الضفة الغربية، فهو بمساره الحالي يحرم الضفة الغربية من 85٪ من مصادر مياهها، هذا فضلاً عن تكريس ضم القدس وتهويدها».
والحقيقة أن فكرة جدار الفصل العنصري وبنائه قديمة حديثة، وليست وليدة اليوم كما تدعي القيادات الإسرائيلية، حيث إنها مستمدة من نظرية (زائيف جابوتنسكي) الأب الروحي للصهيونية عما يعرف بـ «الحائط الحديدي» عام 1923. وكان جابوتنسكي ينادي بأن يتم بناء المشروع الصهيوني خلف حائط حديدي لا يستطيع السكان العرب المحليون اختراقه. وحسب جابوتنسكي فإنه وحتى بعد تأسيس الدولة الصهيونية فإن الشعب الفلسطيني لن يستسلم ويذعن للإرادة الصهيونية إلا بإقامة ما سماه بـ «الجدار الحديدي» الذي سيفصل بين اليهود والعرب ولن يترك فرصة للفلسطينيين إلا بالاستسلام. وبعد ذلك تتالت المحاولات الصهيونية الرامية لبناء جدار التوسع العنصري، ففي عام 1937 طلب اللوبي الصهيوني من الخبير البريطاني تشارلز بتهارت وضع خطة لإقامة جدار على طول محاور الطرق الرئيسية من الحدود اللبنانية في الشمال وحتى بئر السبع، وقام بتهارت برسم المرحلة الأولى من عملية إقامة الجدار حسب المسوغات الصهيونية، وهو جدار من أربع طبقات وبارتفاع مترين يتم بناؤه على طول 80 كم من طبريا في الشمال الشرقي وحتى رأس الناقورة في الشمال الغربي بالقرب من محاور الطرق المركزية، وكانت تكلفة المشروع آنذاك 60 مليون دولار، وأوكلت مهمة بناء الجدار إلى شركة سوليل بونيه فيما تولت مجموعات الهاغانا حراسته. وقد تم هدم الجدار من قبل سكان القرى العرب على جانبي الجدار.
من جهة أخرى تشير وثائق تاريخية إلى أن أول خطوات الفصل بين سكان الضفة ومناطق الـ 48 بدأت بإصدار حكومة الاحتلال تصاريح خاصة لكل فلسطيني يريد الدخول للعمل أو من شابه. جاء بعد ذلك ما يسمى بنظام منع التجول عام 1948. هذا في حين يرى محللون أن الجدار يعد المشروع الشخصي لأرييل شارون حيث وضع مخططاته عام 1973، وأطلق عليه حينها اسم «النجوم السبعة» وكان يهدف إلى احتلال المحورين الغربي والشرقي للضفة الغربية. وبعد ذلك اقترح اسحق رابين عام 1993 إنشاء ما يسمى «بالجدار العازل» الذي يقضي بإغلاق الضفة الغربية عن فلسطين المحتلة عام 1948 وكان الجدار سياجاً بسيطاً وهو عبارة عن أسلاك مكهربة شائكة بارتفاع مترين، وله عدة بوابات. ثم انتعشت الفكرة عام 1994 من خلال مشروع للفصل قدمه موشيه شاحال الذي كان وزيراً لما يسمى بالشرطة الإسرائيلية، وأعقبه خطط طرحها الإسرائيليان حاييم رامون ودان ميردور لإقامة جدار يرسم حدوداً ويحمي ما يسمونه «الديموغرافيا والجغرافيا»، وتبعهما الخبير الصهيوني عوزي لانداو الذي أشهر خطة إقامة جدار يتواجد الجيش الإسرائيلي على طرفيه أو جانبيه مع الإجازة له بحق دخول المناطق الفلسطينية جميعها بحرية تامة. وفي عام 2001 تقدم وزير الحرب الصهيوني الأسبق بنيامين بن أليعازر بخطة لبناء جدار الفصل بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة. وفي حزيران عام 2002 أقرت الحكومة الإسرائيلية قرارها رقم 2077 الذي ينص على بناء مقاطع من الجدار في شمال الضفة الغربية، وعلى الحدود الشمالية والجنوبية مما يعرف بـ «غلاف القدس».
والجدير ذكره أن هذا الجدار يعد من أخطر مخططات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث إن من شأنه عزل نحو ربع مليون فلسطيني في 126 تجمعاً سكانياً بين «الخط الأخضر» و«الجدار الفاصل». وسيجبر أكثر من 400 ألف فلسطيني على عبور الحواجز للوصول إلى مزارعهم أو أماكن عملهم في الجهة المقابلة من الجدار. وكانت الهيئة الفلسطينية العامة للاستعلامات قد حذرت في تقرير لها من أن الجدار يستهدف الاستيلاء على ما يزيد عن 45٪ من مساحة الضفة الغربية. وأوضح التقرير أن قوات الاحتلال استولت على ما مساحته 165 ألف دونم تقريباً منها 124323 دونماً أراضي ملكية خاصة، معظمها في قلقيلية، وأراض حكومية بلغت مساحتها 40460 دونماً، معظمها في جنين، لبناء جدار وجرفت 22298 دونماً من الأراضي. وأضاف التقرير إن بناء الجدار يؤثر بشكل سلبي على قطاع التعليم حيث بلغ عدد الطلبة الذين تضرروا بسبب الجدار أكثر من 170 ألف طالب في 320 مدرسة ستكون خارج الجدار، كما أشار التقرير إلى أن الجدار تسبب في فصل 30 تجمعاً عن المراكز الصحية، وهو ما سيحرم 220 ألف مواطن فلسطيني من الوصول للخدمات الطبية. بينما يرى باحثون أن الجدار سيؤدي أيضاً إلى تدمير الكثير من المناطق والمواقع التاريخية والأثرية الفلسطينية وخاصة في مدن بيت لحم والقدس والخليل، مثل موقع الذهب شمال جنين، الذي يحوي مقتنيات أثرية تعود للفترة الرومانية والبيزنطية فضلاً عن الخرب الأثرية في منطقة حوسان غرب مدينة بيت لحم ومنها خربة حمود، خربة قديس، خربة الكنيس، وخربة دير بغل.
reemsaleh81@gmail.com