وإذا حل بالحزب الجمهوري الأمريكي الانهيار والخذلان وكأن الأرض السياسية قد خسفت تحت أقدامه فمرد ذلك إلى حركة سياسية دينية اجتماعية متعصبة هوجاء هي التي فرضت رؤاها وايديولوجيتها على الحزب وحددت مساره السياسي، وفي سبيل المعرفة المتعمقة بأعضاء هذه الحركة وقادتها استلهم مؤلف هذا الكتاب -ماكس بلومنتال- تحت عنوان «عمورة الجمهوريين: من داخل الحركة التي عصفت بالحزب الجمهوري» والذي نعرضه فيمايلي، استلهم الكثير من نظرية العالم النفسي - أريك فروم- التي تقول: إن الكثير من الذين ينضمون إلى صفوف المتطرفين من ذوي التوجهات الشمولية غالباً ما يفعلون ذلك في سعي ذاتي منهم للتخلص من عقد واضطرابات نفسية يعانون منها.
وكما يعلم الجميع فقد شهدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق -جورج بوش- صعود اليمين المسيحي إلى سدة الحكم في مختلف المواقع وقد تبع ذلك الصعود الزجّ بالعلم والمعرفة والعقل في عتمة ايديولوجية التطرف السياسي الديني.
لكن عندما بلغ الحزب الجمهوري هيمنته القصوى على مؤسسة الحكم ظهر هناك من المعتدلين من قادة الحزب وأعضائه من حذر من مغبة الانزلاق نحو الهاوية منذ عام 2004 عندما خاض بوش معركة تجديد انتخابه لولاية ثانية، وكما هو متوقع فقد تم تجاهل هذه التحذيرات و لم تجد آذاناً صاغية لها.
وفي العام نفسه نشرت -كريستي تيدويتمان- كتاباً تحت عنوان «هو حزبي أيضاً» نعت فيه اختطاف حزبها الجمهوري من قبل من أسمتهم بـ «الأصوليين الاجتماعيين» ويذكر أن -ويتمان- كانت قد شغلت منصب حاكم ولاية نيوجرسي ورئاسة وكالة حماية البيئة في ظل إدارة بوش لكنها تخلت عن منصبها بعد أن أقحم المتطرفون ايديولوجيتهم الأصولية العمياء وفرضوها بالقوة على مجال الدراسات العلمية والبحث العلمي الذي غاب غياباً تاماً في عهد الرئيس السابق بوش الذي حول مخصصاته إلى الحرب الظالمة التي شنها على العراق، ما حدا بالرئيس الأمريكي الجديد أوباما إلى تخصيص 7،6 مليارات دولار للبحث العلمي الأمريكي.
فبعد انتهاء مراسم تنصيب الرئيس أوباما بدأ اليمين المتطرف الذي مني بخسارة فادحة في انتخابات تشرين الثاني من عام 2008 إعادة تجميع صفوفه في مواجهة الإدارة الجديدة رافضاً كل ما تأتي به من برامج وخطط، واصفاً إياه بالضعف والعجز مقدماً في مساع جدية منه لهزيمتها وهي لم تزل في بداية تصديها للإرث الثقيل الذي خلفته له الإدارة الجمهورية السابقة، فهناك حربا العراق وأفغانستان اللتان شنتهما إدارة بوش وهناك أزمة الشرق الأوسط التي أهملتها إدارة بوش أيضاً ولم تفعل شيئاً يذكر تجاهها.
ويعمل اليمين المتطرف ما بوسعه في سبيل استغلال هذه الأزمات والتحديات جميعها تنفيذاً لمخططه الرامي لوأد الإدارة الجديدة وهي لا تزال في مهدها.
فقد أشار الكثير من المحللين والمعلقين إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي مرت بها أمريكا في ظل الإدارة السابقة تعد الأخطر والأسوأ من نوعها منذ الكساد العظيم، وبسبب التردي العام الذي سببته في مستوى حياة القطاع الأوسع من الأمريكيين وما نتج عنها من تسريح للعاملين والارتقاء الحاد في معدلات البطالة، فمن الطبيعي أن تثير مشاعر عامة مضادة لأي إدارة تمر بمثل هذه الظروف ولم تنج إدارة أوباما من هذه المشاعر رغم خطة الإنقاد التي رصدت لها أكبر ميزانية في تاريخ أمريكا.
هذه النقمة العامة على الظروف المحيطة هي ما يعمل على استثماره واستغلاله ناشطو اليمين المتطرف بجميع السبل والوسائل وهكذا يتوفر عالم كامل خصب من الأزمات والمحن التي يمكن للمتعصبين استثمارها.
لكن السؤال الذي لابد منه: لماذا هزم الجمهوريون تلك الهزيمة الماحقة في انتخابات تشرين الثاني وبعدها في انتخابات الكونغرس لعام 2008؟
لماذا تحققت نبوءة السقوط التي حذر منها معتدلو الحزب وعقلاؤه قبل خمس سنوات؟ وباختصار لماذا انتقلت الحركة اليمينية الأمريكية المحافظة من موقع الهجوم إلى مواقع الدفاع بعد هيمنتهم على الكونغرس والبيت الأبيض معاً لعدة أعوام؟
هذه هي الأسئلة التي تصدى كتاب «عمورة الجمهوريين» للإجابة عنها.